سراقة والسير إلى المدينة المنورة
مكث النبي e في الغار ثلاث ليال، حتى يسكن طلب قريش، ويئسوا من أن يصلوا إليه e وبعدها خرجا قاصدين المدينة المنورة، ومعهما دليلهما المشرك ولكنه كان أميناً عليهما،غير مدلس ولا ممالىء، فسلك بهما طريق الساحل، حتى لا يتبعهم أحد من قريش، لأنهم لا يتصورون أنه يسلك هذا الطريق وهم يتتبعونه، ويقتفون طريقه، وقد جعلوا لمن يعود به حياً أو ميتاً مائة ناقة.
وقد طمع سُراقة بن مالك بن جعشم فى أن ينالها، وقد روى ابن إسحاق عنه أنه قال:" لمَِّا خرج رسول الله e من مكة المكرمة مهاجراً، جعلت قريش فيه مائة ناقة لمن رده عليهم. فبينما أنا جالس فى نادى قومى، إذ أقبل رجل مِنَّا.. فقال: والله لقد رأيت ركبة ثلاثة مروا علىَّ آنفاً، إنِّى لأراهم محمداً وأصحابه، فأومأت إليه بعيني أن اسكت، ثم مكث قليلاً.. ثم أمرت بفرسي.. وأمرت بسلاحي. ثم أخذت قداحي أستقسم بها، ثم انطلقت فَلَبِسْتُ لَأْمَتِي (الدرع)، فاستقسمت، فخرج السهم الذى أكره، وكنت أرجو أن أرده على قريش، فآخذ مائة ناقة، فركبت على أثره فبينما فرسى يشتد عُثِرَ بي، فسقطتُ عنه، فقلت: ما هذا ثم أخرجت القداح فاستقسمت بها فخرج السهم الذي أكره، فأبيتُ إِلاَّ أن أتبعه، فركبتُ فى أثره فبينما فرسي يشتد عثر بي، فسقطت عنه فقلت ما هذا ثم أخرجت قداحي فاستقسمت بها، فركبت في أثره، فلما بدا القوم ورأيتهم عثر بي فرسي، فذهبت يداه فى الأرض، وسقطت عنه، ثم انتزع يداه من الأرض وتبعهما دخان كالإعصار، فعرفت حين رأيت ذلك أنه قد مُنِعَ عَنِّي، وأنه ظاهر، فناديت القوم، فقلت: أنا سراقة بن جعثم، أنظروني أكلمكم، فوالله لا أرييكم، ولا يأتيكم مِنى شيء تكرهونه. فقال رسول الله e : وماذا تبغى مِنَّا؟ قلت: تكتب كتاباً يكون بيني وبينك".
يلاحظ أنه ذكر له ما كان يسعى إليه، ولكنه عندما رأى ما رأى، وَعَلِمَ اليقين فى الرسالة، استوثق من أنَّ محمداً e منصور بأمر الله تعالى.
وقد استمر سراقة حافظاً لهذا الكتاب، حتى جاء الفتح المبين بفتح مكة المكرمة، ثم فرغ رسول الله e من حنين والطائف ذهب سراقة إلى رسول الله e بالكتاب، ويقول في ذلك "دنوت من رسول الله e، فرفعت يدي الكتاب، وقلت يا رسول الله، هذا كتابك لى، أنا سراقة بن جعثم، فقال رسول الله e "هذا يوم وفاء".
أعلن سراقة إسلامه، ويظهر أنه كان مؤمناً بصدق النبي e من يوم أن رأى ما رأى، ولذلك أراد أن يأخذ هذا الكتاب.
وقد سأل النبي e عن سقى الإبل الضالة قائلاً: الضالة من الإبل يغني حياضي، وقد ملأتها الإبل هل لي من أجر في أن أسقيها؟
قال الرسول الله e : "نعم في كل ذات كبد حري أجر".
ولقد حسن إسلامه فرجع إلى قومه، وساق إلى رسول الله e صدقته.
*******
المصدر:خاتم النبيين- المجلد الأول- للإمام محمد أبو زهرة