العودة للصفحة الرئيسية

الإنباء بالغيب
يقص الله سبحانه ما خاطب به سيدنا عيسى – عليه السلام – قومه من قوله: ﴿وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِى بُيُوتِكُمْ.
والإنباء بالغيب – الماضى، أو بالغيبِ الحاضر، أى بالغيب الذى وقع بالفعل فى الزمن الماضى، والغيب الذى وقع بالفعل فى الزمن الحاضر، فى مكان بعيد عن مكان المتنبئ – أمر مألوف – أما الغيب المستقبل فهو معجزة أو كرامة يمنحها الله من شاء من عباده الصالحين.
وقد ذكر القرآن بعضاً من ذلك، معجزة للرسول (صلى الله عليه و سلم) فى قوله تعالى:
﴿ ألم (1) غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِى أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3) فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4) بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (5) وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (6) يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآَخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ (7)  ﴾ الروم
ومن الأحاديث الواردة فى ذلك، ما يأتى: عن أبى ذر – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله (صلى الله عليه و سلم) :
إخباره بفتح مصر
"إنكم ستفتحون مصر، وهى أرض فيها القيراط، فإذا فَتَحْتُمُوها فَأَحْسِنُوا إلى أهلها، فإنَّ لهم ذِمةً وَرَحِماً.. أو قال: ذِمة وصِهراً".رواه مسلم وأحمد

إخباره أنّ الحسن سيصلح بين فئتين
وعن أبي بكر – رضي الله عنه – قال:
"أخرج النبي (صلى الله عليه و سلم) ذات يوم الحَسَن، فصَعَدَ به على المِنْبَر، فقال: ابنى هذا سيد، ولعلَّ الله أن يُصلح به بين فئتين من المسلمين" رواه البخارى.
إخباره عليه الصلاة والسلام بموت جعفر وزيد
وعن أنس بن مالك – رضي الله عنه – أن النبي (صلى الله عليه و سلم) نعى جعفر وزيداً قبل أن يجيء خبرهما، وعيناه تذرفان .رواه البخارى

 

إخباره لابنته فاطمة أنها أول من يلحق به من أهله بعد موته
وعن عائشة – رضى الله عنها – قالت:
"أقبلت فاطمة تمشى، كأن مشيتها مَشىُ النبى (صلى الله عليه و سلم) فقال النبى صلى الله عليه وسلم :مرحباً بابنتي، ثم أجلسها عن يمينه أو عن شماله، ثم أسرَّ إليها حديثاً، فَبَكَت... فقلت لها: لم تَبْكِين؟ .. ثم أسَّر إليها حديثاً فضحكت.. فقلت: ما رأيت كاليوم فرحاً أقرب من حزن، فسألتها عمَّا قال، فقالت: ما كنتُ لِأَفْشِي سر رسول الله (صلى الله عليه و سلم) - حتى قُبِضَ النبى (صلى الله عليه و سلم) - فسألتها، فقالت: أسرَّ إلىَّ أنَّ جبريل كان يعارضنى القرآن كل سنة مرة، وإنه عارضني العام مرتين، ولا أراهُ إِلاَّ حضر أجلي، وإِنَّكِ أَولَ أهلِ بيتي لِحاقاً بي.. فبكيت، فقال: أما ترضين أن تكوني سيدة نساء أهل الجنة، أو نساء المؤمنين؟ فضحكت لذلك" رواه البخارى.

إخباره بزوال مُلك كِسرى
وعن أبى هريرة رضى الله عنه أنَّه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه و سلم) :
"إذا هلك كِسْرَى فَلا كِسْرَى بعده، وإذا هلك قَيْصَر فَلاَ قَيْصَر بعده، والذي نفس محمد بيده، لَتُنْفِقُنَّ كُنوزهما فى سبيل الله".

 

تبشيره لأصحابه بدخول الجنة
وعن أبي موسى: أنه كان مع رسول الله (صلى الله عليه و سلم) فى حائط من حيطان المدينة، فجاء رجل يستفتح، فقال النبي (صلى الله عليه و سلم) ، افتح له وَبَشِرْهُ بِالجَنَّة.. فإذا هو أبو بكر- رضي الله عنه - .. ثم استفتح بِرَجُلٍ آخر، فقال: افتح له وَبَشِره بالجنة، فإذا هو عُمَر، فَفَتَحْتُ له وَبَشَّرْتُه بالجنة. ثم استفتح رجل آخر، وكان مُتَكِئاً فجلس، فقال: افتح له وَبَشِّره بالجنة على بلوى تصيبه.. فإذا عثمان، ففتحت له وبشرته بالجنة، فأخبرته بالذي قال: فقال: الله المستعان.

 

إخباره بأنَّ ريحاً شديداً ستهب فى عام تبوك
وعن أبى حميد الساعدى قال:
"خرجنا مع رسول الله (صلى الله عليه و سلم) عام تبوك، فقال: إنها سَتَهُبُ عليكم رِيحٌ شَدِيدة، فلا يقومنَّ فيها رجل.. ومن له بَعِير فَلْيُوَثِّق عِقاله.. قال أبو حميد: "فعقلناها.. فلمَّا كان الليل، هَبَّت علينا روح شديدة، فقام فيها رجل، فألقته فى جبل طيئ".
إخباره بأماكن مصارع أهل بدر قبل الغزوة بيوم
عن أنس - رضى الله تعالى عنه- قال:
"كنا مع عمر بين مكة والمدينة،فتراءينا الهلال،وكنتُ رجلاً حديد البصر،فرأيته وليس أحد يزعم أنه رآه غيرى ،فجعلت أقول لعمر:أما تراه ...فجعل لا يراه،قال:يقول عمر:سأراه وأنا مُسْتَلقٍٍ على فراشى.ثم أنشأ يُحَدِّثُنا عن أهل بدر قال:إن رسول الله – صلى الله عليه وسلم- كان يُرينا مصارِعَ أهل بدرٍ بالأمس...يقول :هذا مَصْرَعَ فُلان غداً إن شاء الله ،وهذا مَصْرَعَ فُلاَن غداً إن شاء الله ...قال عمر: والذى بعثه بالحق ما خطئوا الحدود النى حدَّها رسول الله – صلى الله عليه وسلم- قال:فجعلوا فى بئرٍ بعضهم على بعض...فانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى انتهى إليهم ،فقال:يا فلان ابن فلان،ويا فلان ابن فلان،هل وَجَدْتُم ما وعد ربكم حقاً،فإنِّى قد وجدت ما وعدنى الله حقاً؟...
فقال عمر:يا رسول الله !!كيف تُكَلِم أجساداً لا أرواحَ فيها؟..
فقال:ما أنتم بأسمعَ لما أقولُ منهم ،غير أنَّهم لا يستطيعون أن يَرُدوا علىّ شيئاً.(رواه مسلم)

إخباره بكتابٍ قد أرسله حاطب إلى المشركين
عن أبى عبد الرحمن السلمى ،عن علىّ – رضى الله عنه- قال:
" بَعَثَنِى رسول الله صلّى الله عليه وسلم ،وأبا مرثد الغنوى والزبير بن العوام والمقداد –وكلنا فارس- فقال:انطَلِقُوا حتى تأتوا روضة خاخ ،فإن بها إمرأةً من المُشركين معها كتاب من حاطب (وكان من أهل بدر) إلى المشركين ،قال:فأدركناها تَسيرُ على بعيرٍ لها حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ..فقلنا: الكِتَاب...فقالت:ما مَعِى كتاب...قال:فأنحنا بها والتمسناه فى رَحْلِها ،فلم نَرَ كِتاباً..قلنا:ما كَذَبَ رسول الله صلى الله عليه وسلم ،لَتُخْرِجنَّ الكتاب أو لنُجَرِدَنك..قال:فلّما رأت الجَد ،أهوت حجزتها وهى محتجزة بكساء ،فأخرجته،فانطلقنَا بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ،فقال عمر: يا رسول الله !قد خان الله ورسوله والمؤمنون ،فَدعْنِى فلأضرِب عنقه..،فقال النبى صلى الله عليه وسلم( لحاطب):ما حَمَلَكَ على ماصَنَعت؟..قال حاطب:والله .ما بى أن لا أكون مؤمناً بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم :أردتُ أن يكون لى عند القوم يَدٌ يَدْفَعُ الله بها عن أهلى ومالى،وليس أحَدٌ من أصحابك إلا له هناك من عشيرته من يدفع الله به عن أهله وماله ..فقال:صَدَق ،ولا تقولوا لهُ إلاَّ خيراً..
فقال عمر:إنهُ قد خانَ الله ورسوله والمؤمنون،فَدعْنِى لأضرب عنقه..
فقال:أليس من أهل بدر؟.فقال:لعلَّ الله اطَّلع إلى أهل بدر فقال:اعملوا ما شئتم فقد وَجَبَت لكُمُ الجنَّة ،أو:فقد غفرتُ لكُم ..فَدَمعت عَينَا عمر،وقال: الله ورسوله أعلم (رواه البخارى ومسلم).
وفيه نزلت الآية الكريمة "يَأَيُهاَ الذَّينَ آَمَنُوا لاَ تَتَخِذُوا عََدُوِى وَعََدُوَّكُم أَوْلِيَاءَ تُلقُونَ إِليهِمْ بِالمَودَّة" الممتحنة(1) فالآية تُثبِت أنَّه من المُؤمنين ،وهُو كذلك.
إخباره بِحَملِ عَلىِّ ابن أبى طالب الراية فى خَيْبَر
عن سَهل بن سعد- رضى الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم – قال يوم خيبر:"لَأُعْطِينَّ هذه الراية رجلاً يفتح الله على يديه،يُحِبُ الله ورسوله ويُحِبُه الله ورسوله ..فلمَّا أصبحِ الناس غدواً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كُلُهم يِرجُو أن يُعْطَاها ..فقال:أين علىُّ بن أبى طالب؟ ..فقالوا يا رسول الله ،هو يشتكى عينيه..
قال:فأرسلوا إليه..فأَتَى به ،فَبَصقَ رسول الله صلى الله عليه وسلم فى عينيه ،فبرأَ حتى كأن لم يكن به وجع،فأعطاهُ الراية..فقال علىّ:يا رسول الله ،أُقاتلهم حتى يكونوا مثلنا؟..
قال:"أنفِذ على رِسْلَك (أى انطلق) ،حتى تنزل بساحتهم ،ثم ادعُهم إلى الإسلام ،وأخبرهم بما يجب عليهم من حقِّ الله فيه ،فوالله ،لأن يهدِىَ الله بك رجلاً واحداً خير لك من أن يكون لك حمرُ النَّعَم" رواه البخارى ومسلم   

  إخباره بأنَّ ناس من أمته يُعْرَضُون عليه غُزَاة يَرْكَبُون البحر
عن أنس بن مالك ،عن خالته أمِّ حرام بنت ملحان ،قالت:نام النبى صلى الله عليه وسلم يوماً قريباً مِنِّى ،ثم استيقظ يبتسم ،فقلت ما أضحكَكَ؟ "قال ناسٌ من أُمتى عُرضوا علىَّ غُزاة فى سبيل الله :يركبون ثبج هذا البحر مُلوكاً على الأَسِرَّة قالت فادعُ الله أن يجعلنى منهم ،فدعا لها ،ثم نام الثانية ،ففعل مثلها،فقالت مثل قولها :فأجابها مثلها،فقالت ادعُ الله أن يجعلنى منهم ،فقال:أنتِ من الأوَّلين ،فخرجَت مع زوجها (عبادة بن الصامت) غازياً ،أول ما ركب المسلمون البحر مع مُعاوية ،فلمَّا انصرفوا من غَزوِهِم (غزوتهم)،قافلين فنزلوا الشام ،فقربت إليها دابة لتركبها فصرعتها فماتت.
المصدر:كتاب دلائل النبوة ومعجزات الرسول- للدكتور عبد الحليم محمود


 

 

بَشَّرَ الرسول المسلمين بغزو قريش
ولمَّا انصرف أهلُ الخَنْدَق عن الخندق ؛قال رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلم فيما بلَغَنى:لن تَغْزوكم قُريش بعد عامِكم هذا ،ولكنَّكم تَغزونَهم.فلم تَغزُهم قُريش بعد ذلك ،وكان هو الذى يَغْزوها ،حتى فتح الله عليه مكة.
المصدر: السيرة النبوية-لابن هشام- المجلدالثانى- ص254

إخباره لِعُمَيْر بن وَهْب بما كان بينه وبين صفوان بن أُميَّة من تحريضٍ على قتله
إسلام عُمَير بن وهب – (صفوان يُحرِضه على قتلِ الرسول)
قال ابن اسحاق :وحدَّثنى محمد بن جعفر بن الزبير ،عن عُروة بن الزُبير قال:جلس عُمير بن وهب الجمحى مع صفوان بن أُميَّة بعد مُصاب أهل بدر من قُريش فى الحِجر بيَسير،وكان عُمير بن وهب شيطاناً من شياطين قُريش، وممن كان يُؤذى رسول الله صلَّى الله عليه وسلم وأصحابه،ويَلقونَ مِنهُ عناء وهو بمكة،وكان ابنه وهب ابن عُمير فى أُسَارَى بَدر.
قال ابن اسحاق: حدَّثنى محمد بن جعفر بن الزُبَير،عن عُروة بن الزبير،قال: فذكر أصحاب القليب ومُصابهم ،فقال صفوان :والله إنَّ فى العيش خيرٌ ؛قال له عُمير:صدقتَ والله ،أمَا والله لولا دَيْنٌ علىَّ ليس له عِندى قَضاء وعيالٌ أخشى عليهم الضَّيعة بعدى ،لركبتُ،إلى محمد حتى أقتلَه،فإنَّ لى قبلهم علَّةً:ابنى أسيرٌ فى أيديهم ؛قال:فاغتنمها صفوان وقال:علىَّ ديْنُك ،أنا أقضيه عنك ،وعيالُك مع عيالى أُواسيهم ما بَقُوا ،لا يَسعَنى شىءٌ ويعجز عنهم؛ فقال له عُمَير:فاكتُم شأنى وشأنك ؛قال:أَفْعَل.
قال:ثم أمر عُمير بسيفه،فشُحِذ له وسُمَّ،ثم انطلق حتى قَدِم المدينة فبينما عمر بن الخطاب فى نفرٍ من المسلمين يتحدثون عن يوم بدر،ويذكرون ما أكرمهم الله به ،وما أراهم من عدوهم،إذ نظر عمر إلى عُمَير بن وهب حين أناخَ على باب المسجد متوشِّحا السَّيف ،فقال:هذا الكلب عدو الله عُمير بن وهب ،والله ما جاء إلا لشر،وهو الذى حرَّش بيننا (أى أفسد) ،وحزرنا للقوم يوم بدر(الحزر :أى تقدير العدد تخمينا).
ثم دخل عمر على رسول الله صلَّى الله عليه وسلم فقال:يا نبى الله ،هذا عدو الله عُمير بن وهب قد جاء متوشِّحاً سيفه ؛قال فأدخله علىَّ،قال:فأقبل عمر حتى أخذ بحِمالة سيفه فى عنقه فلبَّبه بها، وقال لرجال ممَّن كانوا معه من الأنصار :ادخلُوا على رسول الله صلَّى الله عليه وسلم فاجلسوا عنده،واحذروا عليه من هذا الخبيث،فإنه غير مأمون؛ثم دخل به على رسول الله صلَّى الله عليه وسلم،فلما رآه رسول الله صلَّى الله عليه وسلم،وعمر آخذٌ بحمالة سيفه فى عُنُقه،قال أرسله يا عمر،ادْنُ يا عُمير؛فَدَنا ثم قال :إنْعَمُوا صباحاً ،وكانت تحية أهل الجاهلية بينهم؛ فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلم :قد أكرمنا الله بتحية خيرٌ من تحيتك يا عُمير،بالسلام:تحية أهل الجنة:فقال:أما والله يا مُحمد إن كنتُ بها لحديث عهد؛قال:فما جاء بك يا عُمير؟قال: جئتُ لهذا الأسير الذى فى أيديكم فأحسنوا فيه ؛قال:فما بال السيف فى عنقك؟ قال:قبَّحها الله من سيوف،وهل أغنت عنَّا شيئاً؟قال :اصْدُقنى،ما الذى جئت به؟ قال:ما جئت إلا لذلك؛قال :بل قعدتَ َأنت وصفوانُ ابن أُميَّة فى الحِجر،فذكرتما أصحاب القليب من قُريش، ثم قلت :لولا دَيْنٌ علىَّ وعيالٌ عندى لخرجتُ حتى أقتُل مُحمداً ،فتحمَّل لك صفوان بِدَيْنك وعيالك، على أن تقتلنى له ،والله حائلٌ بينك وبين ذلك؛قال عُمير:أشهد أنك رسول الله ،قد كنا يا رسول الله نُكذبك بما كنت تأتينا من خبر السماء ،وما يَنزلُ عليك من الوحى،وهذا أمرٌ لم يحضُره إلا أنا وصفوان،فوالله إنى لأعلم ما أتاك به إلا الله ،فالحمد لله الذى هدانى للإسلام ،وساقنى هذا المساق ،ثم شهد شهادة الحق.فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلم :فقِّهوا أخاكم فى دينه،وأقرئوه القرآن ،وأطلقوا له أسيرَه،ففعلوا.                  
المصدر: السيرة النبوية-لابن هشام-المجلد الأول ص661

إخبار النبي صلى الله عليه وسلم
بما سيكون بين على ومعاوية رضى الله تعالى عنهما

فى غزوة الحديبية أبرم الرسول صلى الله عليه وسلم معاهدة أوصلحاً بينه وبين كفار قريش ،هذه المعاهدة لم يكن بعض الصحابة راضياًعنها،فعمر بن الخطاب رضى الله عنه مثلاً قال: لا نقبل الدنية فى ديننا ،والله لانعاهدهم. وعلى بن أبى طالب رضى الله عنه يقول: ماأكتبها.
وذلك عندما طلب منه أن يكتب المعاهدة فكتب :هذا ما تعاهد عليه محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ،فرفض الكفار هذه العبارة وقالوا:لو كنا مؤمنين بأنك رسول الله ما حاربناك ولا كتبنا هذا العهد، وطلبوا أن يكتب هذا ما تعاهد عليه محمد بن عبد الله.
أما على بن أبى طالب رضى الله تعالى عنه الذى كان يكتب هذه المعاهدة فقد امتنع عن الكتابة، وقال:ماأكتبها إلا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم،فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:(اكتب ما يقولون ..) فردَّ علىِّ رضى الله تعالى عنه قائلاً:لا أكتبها أبداً..والكفار أصروا على أن يكتبها محمد بن عبدالله؛لأنهم لو كانوا يؤمنون أنه رسول الله ما تصدوا له؛بل لآمنوا به.
فإذا برسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لعلى بن أبى طالب رضى الله تعالى عنه(ستُسام مثلها فتقبل) أى:سيطلب منك مثل هذا الطلب فى موقف مثل هذا الموقف فتقبله ،فاتركنى أقبله الآن لأنك ستقبله بعد سنوات. وتمر السنوات ويحدث الخلاف بين على ومعاوية،ويتفقا على معاهدة لفض النزاع ،ويؤتى بمن يكتب ويملى على بن أبى طالب رضى الله عنه:هذا ماتعاهد وتعاقد عليه أمير المؤمنين على بن أبى طالب ،ويعترض معاوية وأنصاره .ويقولون:لوكنت أمير المؤمنين ما كنا نحاربك..اكتب:هذا ما تعاهد عليه وتعاقد عليه على بن أبى طالب،ويقبل على ويكتب ما أرادوا ،وهو يتذكر قول رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية:(ستُسام مثلها فَتَقْبَل). 
المصدر: كتاب معجزات الرسل- للشيخ محمد متولى الشعراوى

إخباره عن مقتل العنسي كذاب اليمن ليلة قتله
كان فى اليمن كاهن مشعوذ اسمه عبهلة بن كعب،ويقال له :ذو الخمار،أو ذو الحمار فى رواية أخرى ،وهو الذى يعرف فى كتب التاريخ الاسلامى باسم الأسود العنسي .وهو أحد الكذابين اللذين ذكرهما النبى صلى الله عليه وسلم فى قوله:"إنى رأيت البارحة فيما يرى النائم أن فى عضدى سوارين من ذهب ،فكرهتهما فنفختهما فطارا،فأولتهما هذين الكذابين صاحب اليمامة وصاحب اليمن".
وكان لهذا الكاهن حمار روّضه صاحبه رياضة من لون خاص ،تماماً كتدريب القرود ،فكان يقول له "قف" فيقف ،ويقول له "سر" فيسر .وإذا قال له اسجد خفض الحمار رأسه .وزعم هذا الكاهن أن مايفعله حماره معجزة.
ويروى أن الرجل كان يقال له :"ذو الخمار" ،أى يرتدى خماراً على وجهه .ومن العجيب أن أياً من أتباعه لم يطالبه بعلامة صدقه فى زعمه النبوة،مع أن أول شيء للتأكد من صحة قول أى انسان :"أنا نبى" أن يسأله الناس عن علامة الصدق فى دعواه ،وأن يتعرفوا على معجزته .لكنا لانجد ذلك فى مرتد أبداً.لماذا؟ وكيف لايسأل المرتد المبلغ عن نفسه أنه نبى فى معجزته ،وفى صدق رسالته ؟إن ذلك هو ما يحدث مع أى رسول.فكيف يؤمن أناس بفرد بدون معجزة؟
هنا نذهب إلى الجانب النفسى من الأمر ونقول:إن التدين أمر فطرى ،والإنسان الذى ليس له دين يغضب ويحزن عندما تقول له:"يا قليل الدين" ولذلك تجد أن المبطل من هؤلاء يقول:"أنا على دين".إنه لايتصور أنه مبطل بلا دين.ولذلك قال الحق:"لَكُمْ دِينَكُمْ وَلِىَ دِينْ"
{الكافرون :6 }.
فكان الأصل فى الفطرة الأصلية أن الدين ضرورة للإنسان.ومادام الأمر كذلك ،فلماذا،لايُقبِل كل الناس على الدين؟
لأن الدين ليس مجرد اسم أو صفة ،ولكنه التزام بتكاليف.إن الذى يجعل الناس فى خشية من الدين هو مشقة التكاليف .لذلك فعندما يأتى انسان ويقول:"أنا نبى،ومعجزتى أننى خففت عليكم الصلاة والزكاة والصيام،وأبحت لكم النظر إلى النساء"لابد أن لعاب أصحاب القلوب الخفيفة التى لا بصيرة لها سيقولون:إن مثل ذلك لدين جميل،لقد أرضوا غرور أنفسهم بأنهم متدينون،وأنه فى ذات الوقت أحلهم من التزامات التدين،وتكاليفه الشاقة على نفوسهم المريضة.
ولذلك يتعجب المرء من أتباع مدعى النبوة منذ الزمن القديم وحتى عصرنا هذا،إننا لم نجد أحداً وقف أمام أى مدعى وقال له:ما معجزتك؟ولكن الكل سأل:ما منهجك؟ وعندما سأل أهل اليمن ذا الخمار :ما منهجك؟ كانت إجابته أنه يبيح لهم كل المحذورات، بداية من تقليل الصلاة والزكاة مع إباحة الاختلاط بنساء الغير.
واستراح البعض لذلك المنهج وذهلوا عن طلب المعجزة .وكل الذين ادعوا النبوة. ولذلك نجد أن كل مدعى النبوة يحاول التخفيف من المنهج، وهناك من خفف فى الزكاة،وجاءت إمرأة اسمها سجاح خففت الصلاة وجاء ثالث يخفف الربا. لكن لم يأتى أحد منهم "بمعجزة"       
تدل على انه رسول من الله.
وعندما جاء ذو الخمار،أو ذو الحمار،وهو كما قلنا كاهن مشعوذ ،وكان كما يصفه المؤرخون يسبى قلوب من سمع منطقه ،وكان يريهم الأعاجيب ،واستطاع بذلك أن يستولى على مُلك اليمن، وجعله يعلن ارتداده ،وغلب على صنعاء،وعلى ما بين أعمال الطائف إلى البحرين،وجعل يستطير استطارة الحريق .
ثم لمّا شاء الله تعالى نهاية هذا الكاهن دخل عليه رجل اسمه فيروز فقتله على فراشه ،والمسافة بين اليمن والمدينة طويلة ،لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فى ليلتها:"قتل الدجال بيد رجل مبارك من أهل بيت مباركين .قيل :ومن هو؟ قال:فيروز ،فاز فيروز" ثم يأتى خبر قتل مدعى النبوة بعد إخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه.
المصدر:كتاب معجزات الرسل – للشيخ محمد متولى الشعراوى

إخباره بموت الكذاب الثانى مُسَيْلَمَة صاحب اليمامة
قال ابن اسحاق:وقد حدثنى شيخ من بنى حنيفة من أهل اليمامة أن حديثه كان على غير هذا ،زعم أن وفد بنى حنيفة أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ،وخلَّفوا مُسَيلمة فى رحالهم ،فلما أسلموا ذكروا مكانه،فقالوا :يا رسول الله إنا قد خلَّفنا صاحبا لنا فى رحالنا وفى ركابنا يحفظها لنا،قال:فأمر له رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثل ما أمر به للقوم؛وقال :أما إنه ليس بشرِّكم مَكانا ؛أى لحفظه ضيعة أصحابه،وذلك الذى يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال:ثم انصرفوا عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم:وجاءوه بما أعطاه ،فلما انتهوا إلى اليمامة ارتدّ عدو الله وتنبّأ وتكذّب لهم ،وقال:إنى قد أُشْرِكتُ فى الأمر معه ،وقال لوفده الذين كانوا معه: ألم يقل لكم حين ذكرتمونى له:أما إنّه ليس بشّرِكم مكاناً؛ما ذاك إلا لما كان يعلم أنى قد أُشرِكتُ فى الأمر معه؛ثم جعل يسجع لهم الأساجيع،ويقول لهم فيما يقول:مُضَاهاة للقرآن(أى مشابهة له) :لقد أنعم الله على الحبلى،أخرج منها نسمة تسعى، من بين صِفاق وحَشَى (أى ما رق من البطن)وأحلّ لهم الخمر والزِنا،ووضع عنهم الصلاة،وهو مع ذلك يشهد لرسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه نبى ،فأصْفَقَت معه بنى حنيفة على ذلك (أى أجمعوا له).      المصدر:السيرة النبوية-لابن هشام-المجلد الثانى ص576 ص577

إطلاع الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم
على أحداث غزوة مؤتة وهو فى المدينة

رسول الله صلى الله عليه وسلم حين نزل عليه القرآن بالترغيب فى الجهاد كاد أهل المدينة كلهم يخرجون ولكن الأمر كان يقتضى المحافظة على أمرين :الجهاد واستقبال منهج الله ،إذاً الأمر يحتاج إلى طائفتين من المسلمين ،طائفة تجاهد ،وطائفة تتعلم من رسول الله صلى الله عليه وسلم لتعلم الناس،وإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنون حوله ،فليس هناك مشكلة .فإن كانوا فى المدينة بلا جهاد..تكون هذه الفترة فترة استقبال لمنهج السماء ،وإذا خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم للجهاد فلا مشكلة أيضاً،لأنهم سيخرجون معه،وفى هذه الحالة يكون الجهاد موجوداًوالاستقبال موجوداً.
ولكن المشكلة تأتى إذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس مع الخارجين للجهاد،ولكنه باق فى المدينة ...هنا نحتاج إلى من يكونون حول رسول الله صلى الله عليه وسلم ليستقبلوا منه ويبلغوا الآخرين،فى هذه الحالة لابد ان ينقسم المؤمنون إلى قسمين :قسم يبقى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعلم المنهج ويبلغه للناس ،وقسم يجاهد يخرج للقتال فى سبيل الله .
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج مع المؤمنين للقتال يسمونها غزوة ،وإذا لم يخرج وأرسل من يقود الحرب بدلاً منه صلى الله عليه وسلم يسمونها سرية،ولذلك هناك الغزوات والسرايا.
والمشكلة ليست فى الغزوات؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم سيكون مع المجاهدين،وإنما المشكلة فى السرايا التى لا يخرج فيها .وهناك سرية واحدة سميت غزوة مع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يحضرها ،وهى "غزوة مؤتة" وكانت معركة حاسمة استشهد فيها كثيرون ، وانتقلت الراية من صحابى إلى صحابى ..يحمل الصحابى الراية فيستشهد فيأخذها غيره وهكذا ..فقالوا:هذه لايمكن أن تسمى سرية ،وإنما تسمى غزوة؛لأنه كان فيها عنف وحرب قاسية؛ ولأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهم وهو فى المدينة:إن استشهد فلان فيحمل الراية فلان،ثم فلان.
وكانت هذه هى الغزوة الوحيدة التى رتب فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم القيادات المتتالية فى الغزوة؛لأنه صلى الله عليه وسلم عنده علم من عند الله بأن فلاناً سيستشهد أولاًُ،ويليه فلان ثم فلان ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو فى المدينة والغزوة دائراً يقول:أخذ الراية فلان فاستشهد ،ثم قال:وبعده أخذها فلان فاستشهد،ثم قال:وبعده أخذها فلان واستشهد ،وكأن الرسول صلى الله عليه وسلم يذيع أخبار المعركة ،فقالوا:شهدها رسول الله صلى الله عليه وسلم،فتسمى غزوة .
قال ابن إسحاق: ولما أصيب القوم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بلغنى:"أخذ الراية زيد بن حارثة فقاتل بها حتى قتل شهيداً، ثم أخذها جعفر ابن أبى طالب فقاتل بها حتى قتل شهيداً"قال:ثم صمت رسول الله حتى تغيرت وجوه الأنصار وظنوا أنه قد كان فى عبد الله بن رواحة بعض مايكرهون ،ثم قال:"ثم أخذها عبدالله بن رواحة فقاتل بها حتى قتل شهيداً". 
المصدر:كتاب معجزات الرسل- للشيخ محمد متولى الشعراوى

اخباره باستشهاد عمَّار بن ياسر رضى الله عنهما
عمَّار بن ياسر أحد الصحابة الذين عاشوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعندما جاءت المعركة بين على ومعاوية رضى الله عنهما، انضم عمَّار بن ياسر إلى صفوف على رضى الله عنه ،وقُتِل عمَّار فى المعركة فَتَنبَّه الصحابة عليهم رضوان الله إلى تأويل حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:"وَيْحُ عَمَّار تَقْتُلُه الفِئَةُ البَاغِية".
عن عكرمة قال،قال لى بن عباس ولابنه علىِّ:انطلقا إلى أبى سعيد فاسمعا من حديثه.فانطلقنا ،فإذا هو فى حائط يصلحه ،فأخذ رداءه فاحتبى،ثم أنشأ يحدثنا،حتى أتى على ذِكْر بِنَاء المسجد فقال:"كُنَّا نحمل لبنة لبنة وعمَّار لبنتين لبنتين.فرآه النبى صلى الله عليه وسلم ،فينفض التراب عنه ويقول:وَيْحُ عَمَّار تَقْتُلُه الفِئَة الباغية يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار. قال يقول عمَّار: أعوذ بالله من الفتن". أخرجه البخارى .
المصدر:كتاب معجزات الرسل- للشيخ محمد متولى الشعراوى