انشقاق القمر
وقد ذكر بعد المعراج انشقاق القمر، وإن المناسبة تُزكى ذلك الترتيب فإن ذلك تقوية للاستدلال على صحة الرسالة، وإن كان القرآن الكريم هو المعجزة الكبرى التى تحدَّى بها النبى e وعده عليه الصلاة والسلام المعجزة.
ولندخل من بعد للموضوع، وهو انشقاق القمر. لقد قال الله تعالى: ﴿ اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ ﴾ القمر، ويقول فى ذلك ابن كثير: "وقد أجمع المسلمون على وقوع ذلك في زمنه عليه الصلاة والسلام، وجاءت بذلك الأحاديث المتواترة من طرق متعددة تفيد القطع عند من أحاط بها ونظر فيها، ونحن نذكر من ذلك ما تيسر إن شاء الله تعالى، وبه الثقة وعليه التكلان، ويذكر من بعد ذلك الحافظ الحجة ابن كثير الأخبار الصحاح الواردة فى ذلك.
وعلى ذلك نقرر أنه وقع فى الماضي فى عصر النبي e ، لأن قول الله تعالى: ﴿ اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ ﴾ عبَّر عن انشقاق القمر بلفظ الماضي الدال على الوقوع فى زمن مضى.
لقد ذكر الحافظ ابن كثير أن الوقوع، أو شكل الوقوع يثبت بعدة طرق عن كثيرين من الصحابة، فروي عن أنس بن مالك خادم رسول الله e، وجبير بن مطعم، وحذيفة، وعبد الله بن عمرو وعبد الله بن مسعود، وعبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهم أجمعين.
روى البخاري ومسلم أن أهل مكة المكرمة سألوا النبي e آية فانشق القمر، فانشق القمر بمكة مرتين، وفي رواية لمسلم عن قتادة عن أنس بن مالك أن أهل مكة المكرمة سألوا رسول الله e أن يريهم آية فأراهم القمر شقتين، رواه البخاري، وزادت روايته حتى رأوا حراء بينهما.
وبذلك تفسر كلمة مرتين بأنه صار فرقتين.
وروى الإمام أحمد عن جبير بن مطعم قال: انشق القمر على عهد رسول الله e، فصار فرقتين، فرقة على هذا الجبل، وفرقة على هذا الجبل، فقالوا: سحرنا محمد، وقالوا إذا كان سحرنا، فإنه لا يستطيع أن يسحر الناس كلهم.
وروى البخاري عن ابن عباس، قال إن القمر انشق فى زمان النبى e وقد قال البخاري قد مضى ذلك كان قبل الهجرة انشق القمر: حتى رأوا شقيه.
ويقول ابن عباس فيما روى عنه أبو نعيم بسنده: "اجتمع المشركون إلى رسول الله e منهم الوليد بن المغيرة وأبو جهل بن هشام، والعاص بن وائل، والعاص بن هشام ونظراؤهم فقالوا للنبي e : إن كنت صادقاً فَشُقَّ لنا القمر فرقتين، نصفاً على أبو قبيس، ونصفاً على قيقعان، فقال لهم النبي e تؤمنون؟ قالوا: نعم، فسأل الله عز وجل أن يعطيه ما سألوا، وكانت ليلة بدر، فأمسى القمر قد شُقَّ نصفاً على أبي قبيس، ونصفاً على قيقعان".
********
المصدر: كتاب خاتم النبيين- المجلد الأول- للإمام محمد أبو زهرة