حفصة بنت عمر بن الخطاب
مرت الأيام بالمسلمين وهم يعيشون في المدينة حول نبيهم الكريم، وقد كلل الله مساعيهم بالنصر في غزوة بدر الكبرى، ونصرهم على أعدائهم ﴿ لِيُحِقَّ الحَقَّ وَيُبْطِلَ البَاطِلَ ﴾ الأنفال. وكان المسلمون وهم يلتفون حول نبيهم ويتلقون منه ما يتنزل عليه من تعاليم السماء تغمرهم السعادة، ويسمعون في الأرض بجلب الرزق، ورفع راية السلام. وبينما الحياة تمشي بهذا النسق العجيب استيقظ الناس ذات صباح على صوت الناعي ينعى مسلماً كريماً من أبطال المسلمين، هاجر المهجرتين: هاجر إلى الحبشة مع المهاجرين الأولين، ثم هاجر إلى المدينة ، وشهد مع الرسول(صلى الله عليه وسلم) الله بدراً دفاعاً عن عقيدته إنه " خنيس بن حذافة السهمي "زوج السيدة حفصة بنت عمر، التي دخلت التاريخ بعد ذلك الحادث وأصبحت من أمهات المؤمنين، ولها في الإسلام منزلة وذكر، حيث يقول الله سبحانه : ﴿ النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ ﴾ الأحزاب.
فمن هى حفصة؟
نسبها
أبوها هو عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى، وينتسب إلى لؤيّ، وهو قرشي كريم، وعربي أصيل، وفارس مغوار، له في التاريخ ذكر كريم، حيث تولى الخلافة بعد أبي بكر، وساد العدل في أيامه، وَأَمِنَت الرعية، واطمأن الفرد إلى حقه، وهو الذي أسس دولة الإسلام ورفع راية القرآن، وكان الرسول(صلى الله عليه وسلم) يدعو الله في بدء الدعوة أن يعز الإسلام بأحد العمرين، فكان عمر رضي الله عنه دعوة رسول الله(صلى الله عليه وسلم)، وبه أعز الله الإسلام .
أما أمها فهى زينب بنت مظعون، بن حبيب بن وهب، وهى عربية أصيلة، وأمها أخت عثمان بن مظعون، وهو من السابقين الأوائل في الإسلام .
مولدها
ولدت رضي الله عنها وقريش تبني البيت الحرام- بمكة – قبل مبعث النبي (صلى الله عليه وسلم) بخمس سنين، ونشأت وترعرعت في هذا الجو الذي أراد الله تبارك وتعالى فيه الهداية للإنسانية ولقد اهتم بها أبوها فرعاها حق الرعاية، وعاشت عزيزة كريمة في بيته، يوجهها الوجهة الصحيحة، ويربيها على مكارم الأخلاق ، خاصة أن الإسلام قد غير طباع العرب بالذين كانوا يتألمون بمولد البنات، فغير الإسلام النظرة إلى المرأة وأعطاها حق الحياة العزيزة وكرَّمها، نزل في ذلك القرآن يقول: ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ﴾النحل.
ومن هنا عاشت حفصة وهى ترى أباها في بدء الإسلام وهو يعاديه ويصد عنه، ثم إذا به فجأة يتغير حاله ويعلن اسلامه، ويغير من اتجاهه، وبذلك يتغير وضع المسلمين الاجتماعي، ويكبرون تكبيرا من فرحهم بإسلام عمر تهتز له أركان مكة. ومنذ إسلامه ألقى الرعب في قلوب المشركين، وحمى المسلمين من الأذى والظلم، ووقف يدافع بقوته وشجاعته، لأنه كان صادقاً في إسلامه، عظيماً في تفكيره، ولذا اتخذه الرسول إلى جانب أبي بكر مرافقاً ووزيراً. ودخلت سيدتنا السيدة حفصة الإسلام،وهاجرت لتكون قريبة من أبيها،وعلى مرأى من مهبط الوحي، حيث تتنزل آيات السماء ندية جلية، تبين للناس أمر دينهم، وتربطهم بخالق الكون العظيم.
زواجها
لقد كان يَسُر عمر بن الخطاب أن يرى ابنته زوجة سعيدة في بيتها، لِيُؤَمِّن بذلك حياتها، ولتهنأ دنياها، ولتكون تحت رجل يرعى أمرها، ويدبر شأنها، وتلك سُنة الله في خلقه، لتنتظم الإنسانية، ولتسير الحياة في مجراها المحدد لها في القدر السابق في علم الله. قال الله تعالي : ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ﴾ النساء.
وقد كان "خنيس بن حذافة السهمي" من أوائل المسلمين الذين دخلوا الإسلام في أول أيامه، وذلك عندما بشر به الرسول ودعا إليه، قبل دخوله(صلى الله عليه وسلم) دار الأرقم بن أبي الأرقم، التي تعد بحق المدرسة الأولى التي خَرَّجَت الأبطال وقادة الفكر،وهداة الإنسانية . ونال "خنيس " من الأذى ما نال أي مسلم دخل في الإسلام، واحتمل وصبر ابتغاء مرضاة الله، وهاجر إلى الحبشة في الهجرة الثانية،ورضي عمر بن الخطاب بهذا المسلم الكريم زوجاً لابنته، لأن الإنسان عندما يتخير لابنته يتخير لها الكفء من الرجال ، ثم رجع " خنيس" من هجرة الحبشة وهاجر إلى المدينة مع المسلمين المهاجرين ،وعاش خنيس بجوار زوجته الوفية البارة، التقية النقية، يرعى أمرها حتى انتقل إلى ربه، بعد أن شهد بداراً ورأى انتصار المسلمين أصحاب العقيدة الثابتة على الكافرين المشركين، وقد انتقل إلى ربه بعد الهجرة بخمسة وعشرين شهراً، وصلى عليه النبي (صلى الله عليه وسلم) ودفنه بالبقيع إلى جانب قبر عثمان بن مظعون، وهو خال حفصة، الذي كان يعزه، لأن الإسلام جمع بينهما وقد التقيا على مرضاة الله وطاعته. وما إن دفن "خنيس بن حذافة" زوج حفصة حتى حزن "عمر بن الخطاب " حزناً شديداً ،لأن حفصة ما تزال في ريعان الشباب، حيث إنها لم تتجاوز الثامنة عشرة من عمرها.وبدأ الترمل يغتال شبابها، ويمتص حيويتها، ويخنق صباها، فرأى عمر بن الخطاب بعد تفكير طويل أن يختار لها زوجاً كريماً تأنس لصحبته، بعد أن ضاعت في الحداد على زوجها ستة أشهر أو تزيد.
العرض
في الوقت الذي توفي فيه زوج حفصة كانت رقية بنت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) هى الأخرى قد انتقلت إلى جوار ربها، وتركت من ورائها عثمان بن عفان الزوج الكريم، والصحابي الجليل.
فرأى عمر بثاقب فكره أن يعرض ابنته على عثمان، وهو من المشهود لهم بالخلق الكريم، والمعاشرة الطيبة، فذهب عمر وعرض ابنته على عثمان – الذي كان حزينا على زوجته- ولكنه لم يجبه بما يحقق أمنية عمر ،لأنه كان حزينا على زوجته، وكان يتمني الزواج من أختها أم كلثوم لينال بذلك الشرف الرفيع والمصاهرة الكريمة للنبي العظيم.وبدأ عمر يستعرض في ذهنه الكثير من شباب المهاجرين والأنصار ليتخير من بينهم شخصاً فيه كفاءة حيث يزوجه ابنته، ووقف أمام صاحبه أبي بكر، وذهب عمر يعرضها عليها، ولكن أبا بكر سكت ولم يرد فآلم ذلك عمر، وذهب إلى الرسول (صلى الله عليه وسلم) يشكو له من صاحبيه- عثمان وأبي بكر – لأنهما لم يحققا رغبته، وهنا يبتسم الرسول (صلى الله عليه وسلم) ويقول لعمر:" يتزوج حفصة من هو خير من عثمان، ويتزوج عثمان من هى خير من حفصة". وتأخذ المفاجأة بعمر ، وتشرق في خاطره لمحة مضيئة، فمن هو خير من عثمان ؟إنه نبي الأمة وهاديها الذي يجد الإنسان بجواره الراحة، وفي رؤيته الهدوء إنه رسول الله (صلى الله عليه وسلم) . وخرج عمر مسرعا فلقية أبو بكر ولمح عليه أسارير الفرح والابتهاج، فمد يده إليه مصافحاً مهنئاً وهو يتعذر في لطف ويقول" لا تجد علىَّ يا عمر (أى لا تغضب منى) ، فإن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ذكر حفصة ، فلم أكن لأفشي سر رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لو تركها لتزوجتها".
الزواج الكريم
كان البيت النبوي يضم بين جنباته السيدة "سودة" والسيدة "عائشة " رضي الله عنها، وكانت الحياة تمشي بهما رتيبة هائه ولقد علمت المدينة بخبر هذه المصاهرة التي قصد منها توثيق الصداقة وتتويج الأخوة، وزيادة الرعاية لعمر بن الخطاب ، كما حدث ذلك من قبل لأبي بكر الصديق عندما تزوج الرسول بعائشة، وباركت المدينة هذا الزواج، وأصبحت سيدتنا السيدة حفصة الزوجة الثالثة لسيدنا رسول الله(صلى الله عليه وسلم) بعد "سوده بنت زمعة "و" عائشة بنت أبى بكر"، ولقد أسعد هذا عمر بن الخطاب ،ولم يعد صاحب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فحسب، بل أصبح صاحبه وصهره، وعلا بهذا قدره في المجتمع الإسلامي، انتقلت حفصة إلى بيت الرسول(صلى الله عليه وسلم)، وكانت تتمتع بحظ كبير من الجمال والذكاء، وهى على جانب كبير من التقوى والورع، وأخذت تشهد بنفسها عن قرب مجريات الأمور في البيت النبوي، وتلحظ البطل الكريم وهو يتحمل صبر وجلد مشقة الدعوة، ويجادل قومه بالتي هى أحسن، ويجهز الجيوش لتغزو في سبيل الله، وتلحظ آثار الانتصار الذي يعود به القائد الملهم من غزواته.
ولقد وفد بعد ذلك على البيت النبوي نساء أخريات اقتضت الحكمة أن يدخلن البيت النبوي، وكانت هى بحكم وضعها الاجتماعي قريبة من قلب السيدة عائشة، فتعاطفتا وتصادقتا، وظهرت بينهما مودة وأخوة، وكان عمر يسره ذلك ويعجبه أن تكون ابنته على صفاء مع السيدة عائشة، وهى الحبيبة إلى قلب رسول الله(صلى الله عليه وسلم) والقربية منه قرب منزلة أبيها من الرسول عليه الصلاة والسلام. وكان زواج الرسول (صلى الله عليه وسلم) بها سنة ثلاث من الهجرة.
المظاهرة
كان رسول الله(صلى الله عليه وسلم) يخرج من غزوة ويدخل أخرى وهو ينتصر، ويساق إليه الخير، وتُجبى إليه الأموال ، فظن نساء النبي (صلى الله عليه وسلم) أن الدنيا أصبحت تحت يديه، وأنه في استطاعته أن يغير من وضعهن ويأتي لهن بالحرير والديباج، والذهب والفضة، ويبني لهن القصور، ولذا رحن يتحدثن في ذلك ، ويتصورن أن المستقبل سيكون مشرقاً لهن من ناحية الملبس والمسكن، ونظراً لقرب حفصة وعائشة راحتا تتحدثان مع بقية أمهات المؤمنين وتسألانهن أن يتجمعن في صف واحد يسألنه النفقة والإغداق عليه بلا حساب،وذهبت أمهات المؤمنين إلى النبي الكريم وتكلمن، وأصغى طويلاً لمطالبهن، ثم سكت، هنا دخل أبو بكر وعمر وأخذتهما دهشة لما رأيا مطالبة نساء النبي (صلى الله عليه وسلم) بالنفقة، وخاصة أن حفصة وعائشة هما المحرضتان على ذلك، وقد أغلظ كلٌّ منهما لابنته القول وبعد أيام شاع في المدينة أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) طلق نساءه، وبدأ نوع من الذعر يقض مضاجع المسلمين، لأنه لو حدث هذا ستكون سابقة خطيرة في الحياة الإسلامية ربما تؤدى بالمجتمع إلى الإنهيار، ولذا خرج عمر مسرعاً إلى بيت ابنته، وفعل ذلك أبو بكر هو الآخر وكل منهما يردد:ما يعبأ الله بنا بعد اليوم.
وأسرع عمر إلى رسول الله(صلى الله عليه وسلم) فوجده قد اعتزل نساءه، وهناك نوع من الكآبة يخيم على البيت النبوى، وأمهات المؤمنين في حالة بكاء، ولما دخل عمر على رسول الله(صلى الله عليه وسلم) قال له:" يا عمر، إن لنا الآخرة والذين يتنعمون لهم الدنيا".ولقد اعتزل الرسول(صلى الله عليه وسلم) نساءه شهراً، وفي الشهر نزل قول الحق تبارك وتعالى" ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً (28) وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْراً عَظِيماً﴾ الأحزاب.
وما إن نزل هذا التعبير الإلهي حتى تراجعت حفصة، وكذا عائشة واستغفرت أمهات المؤمنين، ورضي الكل بالله ورسوله، وعاد الصفاء إلى البيت النبوي، وسارت الأمور في مسارها الطبيعي .
عودة إلى الحِّل
أرسل المقوقس إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) طبيباً وجارية ردا على الرسالة التي بعث بها الرسول عليه الصلاة والسلام، فَرَّدَ الطبيب وقَبِلَ الجارية، وهى "ماريه القبطية"، التي رفعها إلى مصاف أم ولده بعد أن أنجبت ابنه إبراهيم . وكانت له حليلة بِمِلْكِ اليمين، وقد جاء في كتاب السمط الثمين:أن حفصة خرجت من بيتها فبعث رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إلى جاريته فجاءت في بيت حفصة رضي الله عنها، فدخلت عليه حفصه وهى معه في بيتها، فقالت: يا رسول الله، في بيتي وفي يومي وعلى فراشى،فقال رسول الله:"اسكتى فلك علىَّ لا أقربها أبدا،ولا تذكريه" فذهبت حفصة فأخبرت عائشة رضي الله عنها،فأنزل الله عز وجل: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (1) قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ العَلِيمُ الحَكِيمُ ﴾ التحريم.
ثم وضح الحق سبحانه نبأ هذه القصة فقال : ﴿ وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثاً ﴾ يعني حفصة ﴿ فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ ﴾ أي أخبرت عائشة ﴿ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ ﴾ يعنى حفصة، لما أخبره الله،قالت حفصة ) مَنْ أَنْبَأَكَ هَذاَ) قال: ﴿ نَبَّأَنِيَ العَلِيمُ الخَبِيرُ ﴾ سورة التحريم إلى آخر ما ورد في سياق هذه القصة التي خرجت من الحيز الخاص برسول الله(صلى الله عليه وسلم) فلم يعد له وحده تحلة أيمانه بل صار رخصة للمسلمين جمعياً. وقد أُشيع في المدينة أن الرسول طلق حفصة ، وذهب عمر مسرعاً ينتابه نوع من الفزع إلى بيت ابنته ويسألها في إشفاق: هل طلقك رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ؟ ولم تستطع أن ترد بجواب ، وكانت تبكي، وذهب عمر إلى رسول الله(صلى الله عليه وسلم) وقال: يا رسول الله ،إن طَلَّقْتَ نساءك فان الله معك وجبريل وصالح المؤمنين .ونزل قول الله تعالي: ﴿ عَسَى رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجاً خَيْراً مِّنكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُّؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَاراً ﴾ التحريم.
وقد رُوى أن عمر بن الخطاب حَثَى على رأسه التراب عندما بلغه هذا الخبر، وقد نزل جبريل وقال للنبي(صلى الله عليه وسلم): الله يأمرك أن تُراجع حفصة بنت عمر رحمة لعمر. وفي رواية أخرى :راجع حفصة فإنها صوامة قوامة، وإنها زوجتك في الجنة. وقد راجعها الرسول وعاشت معه.
نهاية سعيدة
عاشت السيدة حفصة وهى تشهد أمجاد المسلمين، ورأت بعينها الرسول(صلى الله عليه وسلم) وروحه تصعد إلى الرفيق الأعلى، وأصبح أبو بكر هو الخليفة من بعده. وقامت حرب طاحنة تسمى بحرب الرِّدَة، وقُتِلَ فيها كثير من حفظة القرآن، وأشار عمر على أبي بكر بجمع القرآن، لأنه كان في الصدور محفوظاً، وخوفاً من قتل القرَّاء فلا بد من جمعه . واقتنع أبو بكر برأي عمر، وجمع العديد من الحفظة، وعهد إلى زيد بن ثابت كاتب الوحي بجمع القرآن ومراجعته مع الحفظة، وتم ذلك . وجمع في مصحف واحد وأُودع في بيته طيلة خلافته، فلما انتقل إلى ربه وتولي عمر الخلافة انتقل المصحف إليه، فقام بدوره وأودعه عند أم المؤمنين حفصة. وعاشت أم المؤمنين حفصة ترى نجم المسلمين يعلو وشمسهم تشرق بقيادة أبيها الذي كانت نهايته غدراً بيد " أبى لؤلؤة " المجوسى، وانتقل إلى ربه ، وبكت حفصة أباها كما بكت من قبل على زوجها الحبيب ، وكانت رقعة العالم الإسلامي قد اتسعت، وامتد العمران، وعظم شأن المسلمين، وتعددت اللهجات، واختلطت الألسنة، فرأى عثمان بن عفان الخليفة أن ينسخ من المصحف الموجود عند حفصة مصاحف تُوزَّع على الأقطار ، وبقى المصحف في حيازة حفصة، حتى إذا تشعبت الأمور وظهرت بوادر الفتن في الأفق لزمت أم المؤمنين حفصة بيتها، وعكفت على عبادة ربها وهى محل ثقة الجميع.
ولقد شهدت أم المؤمنين حفصة خلافة معاوية، حتى إذا كان عام 45 في شهر شعبان لقيت ربها وهى ابنة ستين سنة ، وصلى عليها أبو هريرة رضى الله عنه، ونزل فى قبرها عبد الله وعاصم ابنا عمر... وهكذا طويت صفحة طيبة طاهرة نقية ، والتقت مع زوجها الكريم وأبيها العظيم فى مقعد صدق عند مليك مقتدر
} وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقا {النساء
سلام عليك يا أم المؤمنين فى الأولين والآخرين.