الصديقة بنت الصديق
عائشة بنت أبي بكر
(رضي الله عنهما)
لم يكن النبي(صلى الله عليه وسلم) يفكر في الزواج في حياة السيدة خديجة رضي الله عنها زوجته الأولى، وأول من آمن به، وشدت من أزره، وشجعته على تلقي الدعوة. ولما توفيت في شهر رمضان قبل الهجرة بثلاث سنين حزن الرسول(صلى الله عليه وسلم) لفقدها حزناً شديداً، وسمي العام الذي توفيت فيه عام الحزن. وكان النبي(صلى الله عليه وسلم) يتردد على بيت صاحبه الوفي وصديقه المخلص أبي بكر رضي الله عنه، وكان في حالة نفسية يسودها الحزن علي وفاة خديجة، وكان يرى السيدة عائشة رضي الله عنها طفلة صغيرة، وكان يداعبها مداعبة الأب لابنته، ولم يكن يدور بخلده أنه سيتزوجها، حتى أقبلت عليه خولة بنت حكيم وقالت: يا رسول الله، كأني أراك قد دخلت عليك خلة لفقد خديجة! فأجاب: "نعم، كانت ربة البيت، وأم العيال". فاقترحت عليه أن يتزوج، واختارت له سودة بنت زمعة، امرأة لها تجربة سابقة في الزواج وتستطيع رعاية البيت، وأخرى بكراً وهى عائشة، بنت ألصق الناس به، وأحبهم إليه. فوافق النبي(صلى الله عليه وسلم) على ذلك. وذهبت خولة إلى منزل الصديق لتقوم بدور الخاطبة.
نسب السيدة عائشة:
عائشة بنت أبي بكر بن أبي قحافة بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي، من أفخاذ قريش، وكان أبو بكر يسمي عتيقاً لأن أمه لم يكن يعيش لها أولاد، فنذرت إن عاش لها ابن تسميه "عتيقاً"، أي: الذي أعتق من الموت. وقيل: سمي عتيقاً لأن الرسول(صلى الله عليه وسلم) قال له عندما أسلم: "أنت عتيق من النار". وكان يسمى في الجاهلية "عبد الكعبة"، فسماه الرسول(صلى الله عليه وسلم) "عبد الله".
وقبيلة أبي بكر تتصف بالشجاعة والكرم والوفاء والذود عن الكرامة. وكانوا يشتغلون بالتجارة. وعرف أبو بكر قبل الإسلام بصدق الكلمة، وحسن المعاملة، وقد احتل منزلة طيبة في نفوس العرب، لأنه كان سهلاً في معاملته، كريماً في خلقه، كما كان على علم بأيام العرب، وكان أنسب قريش(أى أعلم قريش بالأنساب)، ولذا كان رجال قومه يأتونه ويألفونه لحسن مجالسته.
أما أمها: فهي "أم رومان" وكانت تسمى "زينب"، وكانت متزوجة قبل أبي بكر من عبد الله بن الحارث صديق أبي بكر، وقد توفي عنها وتزوجها أبو بكر، فولدت له عبد الرحمن وعائشة. أسلمت أم رومان عندما دعاها زوجها أبو بكر إلى الإسلام وكانت صالحة تقية ذكية قال عنها رسول الله(صلى الله عليه وسلم): "من سرَّه أن ينظر إلى امرأة من الحور العين فلينظر إلى أم رومان". ولقد ذكرت ذلك ليكون القارئ الكريم علي بينة بأن البيئة التي نشأت فيها السيدة عائشة رضي الله عنها بيئة صالحة طيبة، كما أن أبا بكر أول من أسلم من الرجال، يقول عنه الرسول(صلى الله عليه وسلم): "ما دعوت أحداً إلي الإسلام إلا كانت فيه كبوة ونظر وتردد، إلا ما كان من أبي بكر رضي الله عنه حينما ذكرته له ما تردد فيه". كما أنه تحمل الكثير من أجل عطفه علي المسلمين، وخاصة الضعفاء منهم، ولقد آثر البقاء بجوار الرسول(صلى الله عليه وسلم) عندما هاجر المسلمون الأُوَل إلى الحبشة، وكان أنيس المصطفى في الغار، وفيه يقول الرسول(صلى الله عليه وسلم): "ما نفعني مال قط ما نفعني مال أبي بكر"، فبكى أبو بكر وقال: "يا رسول الله، هل أنا ومالي إلا لك"!.
مولدها
ولدت السيدة عائشة رضي الله عنها في السنة الخامسة من النبوة، وتربت في بنى مخزوم على حسب العادة في الجزيرة العربية، فنشأت فصيحة اللسان، قوية البيان، كثيراً من أشعار العرب، وقد أكسبتها حياة البادية كثيراً من صفات الشجاعة والمروءة والجرأة. وقد أسلمت هى وأختها أسماء وهما صغيرتان ، وكان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يوصي أمها بها إذا ذهب إلى بيت صديقه قائلا : " يا أم رومان استوصى بعائشة خيراً واحفظيني فيها" . وكان ذلك يعلي شأنها في منزل أبيها . ولقد دخل مرة دار أبي بكر فوجد عائشة تبكي بكاءً شديداً وهى عند الباب مستترة، فسألها عن سبب بكائها ، فشكت له، فدمعت عينا الرسول (صلى الله عليه وسلم) ودخل على أم رومان وقال لها " يا أم رومان، ألم أوصيك بعائشة أن تحفظيني فيها؟" فقالت : "يا رسول الله ، إنها بلَّغت الصديق عني وأغضبته علينا، فقال النبي (صلى الله عليه وسلم) "وإن فعلت " قالت أم رومان" لا جَرَمَ لا سَوَّءتها" .
كانت عائشة قد خطبت لجبير بن مطعم بن عدي، ولم يكن قد أسلم، ولكن أبا بكر بقي على عهده له، فلما جاءت خولة خاطبة لعائشة لم يشأ أبو بكر أن يعطي كلمة حتى ينظر في وعده، فتوجه إلى بيت المطعم بن عدي، فقالت أم جبير – وكانت مشركة – يا ابن أبي قحافة إن زوجنا ابننا ابنتك تدعوه للدخول في دينك وتصبئه. فالتفت أبو بكر إلى المطعم، فكأنه أمن على كلامها ، فانصرف أبو بكر وهو يشعر بارتياح لتحلله من وعده، وذهب إلى منزله وقال لخولة : اذهبي فادعي رسول الله (صلى الله عليه وسلم) .
رؤيا صادقة
المعروف من مجريات الأحداث أن علاقة الرسول بعائشة علاقة أب بابنته، ولم يفكر في الزواج بها حتى اقترحت عليه "خولة" ذلك . وعائشة برغم صغر سنها فيها ذكاء ونباهة، وكان الرسول يعجب بها ، ويرى فيها ما يلائم طبعه ، وخاصة أن أباها هو الصديق الكريم الذي أدبها فأحسن تأديبها. وقصد بهذا الزواج أن يكرم المسلم الأول، وأن تكون هناك علاقة النسب، ليتم الترابط والتراحم بين النبي الكريم وأبي بكر الصديق. وكانت هناك إرادة إلهية نتبين معناها فيما روى عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) "أن جبريل أتاه بصورتها في خرقة من حرير خضراء قائلاً له: إنها زوجتك في الدنيا والآخرة". وكانت عائشة تردد دائماً أن رسول الله(صلى الله عليه وسلم) قال لها: "أُرِيتُك في المنام مرتين، أرى رجلاً يحملك في خرقة من حرير فيقول هذه امرأتك، فأكشف عنها فإذا هى أنت، فأقول: إن يك هذا من الله يُمضِهِ". كما أن جبريل قال له: "يا رسول الله، هذه تذهب بعض حزنك، وإن في هذه خلفاً عن خديجة".
وتمت الخطبة:
وعادت خولة لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) تدعوه ليذهب إلى بيت أبي بكر ليخطب عائشة التي كانت سنها ست سنوات، وكان ذلك جائز، خاصة أن السيدة عائشة كانت مخطوبة لجبير بن مطعم. وتمت الخطبة، ولم يساوم أبو بكر بمهر ابنته، بل إنه اكتفى بالشرف الذي ناله بهذه المصاهرة الطبية فخورا راضيا مبتهجاً، وكان الصداق خمسمائة درهم. واستمرت الخطبة حتى هاجر الرسول (صلى الله عليه وسلم) وبنى بها بعد الهجرة بثمانية أشهر، وكانت تبلغ من العمر تسع سنين، وكانت هى الأولى والأخيرة التي تروجها الرسول (صلى الله عليه وسلم) بكراً. وكان يوم بناء الرسول (صلى الله عليه وسلم) بعائشة بسيطا هادئا، ليس فيه من الشكايات شيء. وكان كل شيء ينطوي على الرضا والتفاهم والوئام، ولم يتوافر للعروسين من الطعام غير حفنة أرسل بها سعد بن عبادة وقدح من لبن.
أثاث المنزل
كان أثاث البيت الذي تم فيه بناء الرسول (صلى الله عليه وسلم) بالسيدة عائشة غاية في البساطة، تقول السيدة عائشة: أنه لم يكن لديهما إلا فراش واحد: وسادة من أُدُم محشوة ليفاً (الأُدُم هو الجلد)، وليس بينها وبين الأرض إلا الحصير. لقد دخل عمر بن الخطاب رضي الله عنه على رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ذات مرة وذرفت عيناه الدموع حينما رأى الحصير قد أثر في جنب الرسول فقال: يا رسول الله، كسرى وقيصر عدوا الله يفرشان الديباج والحرير وأنت نبيه وصفيه وليس بينك وبين الأرض إلا وسادة محشوة ليفاً فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) :" أولئك عُجِّلت لهم طيباتهم". وكانت الحجرة مبنية من اللِّبن ومسقفة بسعف النخيل.
ولقد كان باب هذه الحجرة يطل على المسجد . وبيت هذا أثاثه وذلك بناؤه لم يكن طعام ساكنيه يختلف عنهما في بساطته. تقول السيدة عائشة:" إنه كان ليمر هلال وهلال وهلال، ثلاثة أهلة، ولم يوقد في البيت نار". وتقول :" كان يأتي على آل محمد الشهر ما يختبزون خبزا ، ولا يطبخون قدراً". ولكن كان يعمر هذا البيت ما يخلعه النبي على من فيه من بشاشة وإيناس، كان الوحي ينزل من السماء وتتلى آيات القرآن ، وجبريل يظهر للمصطفى في هذا البيت المتواضع البناء والشامخ بما يتردد في جنباته من آيات السماء.
وعاشت السيدة عائشة حياة الزوجية التي دامت حوالي تسع سنين وطوال هذه المدة تتمتع بحب النبي الكريم الذي أحلها منزلة تليق بصداقة أبيها وقرب منزلته وخلع عليها بعض الكني، فكان يناديها بقوله:" يا عائش"، وأحيانا:" أم عبد الله"، ومرة أخرى:" بالشقراء أو الحمراء ". وكانت تدعى " الصادقة" أو " الصديقة بني الصديق "،أو " حبيبة رسول الله، أو " حبيبة حبيب الله "، وكل ذلك يدلنا عل قربها من قلب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) .وقد سأل عمرو بن العاص الرسول (صلى الله عليه وسلم) وقال له : من أحب الناس إليك؟ قال: " عائشة". قال :إنما أقول من الرجال؟ قال:" أبوها" لذا كان الرسول (صلى الله عليه وسلم) يشاركها اللعب إذا سمح وقته، وأحيانا يستتر بثوبه ويتركها تلعب بالبنات "عرائس تصنع من العهن". ولم يرد الرسول (صلى الله عليه وسلم)أن يحرمها منظراً تصبو إليه نفسها حين كانت معه تنظر إلى الحبشة وهم يلعبون في يوم العيد. لقد كان الرسول(صلى الله عليه وسلم) حريصا على راحتها، اذا دخل عليها وهى نائمة خرج بهدوء. وكانت شخصية أبي بكر تتجلي في عائشة أمام الرسول ، فكان يحبها لذاتها ولصلتها بأبي بكر، وكان يحبها حبا ممزوجاً بالثقة، وكانت هى تحاول خلق جو مرح ترتاح فيه نفسية الرسول لتزيل عنه متاعب الحياة .
العالمة الراوية، والفقيهة المحدثة
لقد كانت السيدة عائشة فقيهة عالمة أديبة لبيبة ذكية، تعد من أئمة الحديث ، فقد بلغ ما روته من حديث (22109 ) أحاديث ، كما أنها كانت فقيهه تسأل في كثير من الأشياء التى تتعلق بالفرائض، كما أنها كانت فصيحة اللسان، قوية الحجة، تعبر عن أفكارها بأسلوب متين، وكثيراً ما كانت تتمثل بالشعر الجيد، ولها علم ودراسة بأخبار العرب الماضية وأنسابهم، وكان لها إلمام بعلم الفلك والطب، ولا غرابة في ذلك، فهى من هى حسباً ونسباً . يقول عنها عطاء بن أبي رباح:" كانت أفقه الناس، وأعلم الناس، وأحسن الناس رأيا في العامة". وقال عروة:" ما رأيت أحداً أعلم بفقه ولا بشعر ولا بطب من عائشة". كما أنها كانت تقوم بتوجيه النصح للنساء، وقد تحملت مسؤوليتها كاملة كأم للمؤمنين وزوجة نبي قائد يهدى للحق ويوجه للخير ، وكثيراً ما تدخلت لفض النزاع بين المتخاصمين ، وكانت تسأل عن أخص خصائص المرأة فتعطي الفتوى بما يتفق وتعاليم الدين. وهكذا نجد تغلغل السيدة عائشة في جميع نواحي الحياة العامة التي تتطلب مساهمة ايجابية من زوجة المصلح الكريم.
إشاعة كاذبة
ولما كانت هذه مكانة السيدة عائشة ومنزلتها في بيت الرسول وفي المجتمع أراد ضعاف الإيمان من المنافقين أن ينالوا مكانتها ويحطموا شخصيتها، فأشاعوا عنها كذباً وافتراء " حديث الإفك"، واتهموها بصفوان بن المعطل السلمي رضي الله عنه. وذلك عندما خرجت السيدة عائشة مع رسول الله في غزة بني المصطلق، وشاءت إرادة الله تعالي أن يتحرك الركب قبل الفجر والسيدة عائشة تقضي حاجتها، فلما عادت لم تجد الركب فبقيت وحدها وسط الصحراء حتى جاء الصحابي الجليل "صفوان" وكان بمؤخرة الجيش، فاحتملها على بعيره دون أن ينظر إليها، وكانت ملفوفة في سواد، وسألها عن سبب تخلفها، فما كلمته، فقرب البعير وتأخر عنه وقال:"اركبي يرحمك الله". ووصلت المدينة في وضح النهار،فأشاع المنافقون "حديث الإفك" لينالوا من شخصيتها ، وليعملوا قدر جهدهم على خلق جو يفسد على الداعي دعوته ليفض من حوله الجميع، وينالوا بذلك مأربهم، والذي تولى ذلك وأشاعه هو عبد الله بن أبي ابن سلول، الذي امتلأ قلبه بالحقد والكراهية للنبي الكريم، يقول الله تعالى : ﴿ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ سورة النور.
وكان حديث الإفك سحابة مليئة بالغيوم في حياة السيدة عائشة وزجها (صلى الله عليه وسلم)، ولم تلبث أن انقشعت بوحي من الله، ونزل في ذلك آيات بينات تظهر براءة أم المؤمنين مما تقول عليها المتقولون، وهى التي اتصفت طوال حياتها بالطهر والعفاف، ولذا تقول لها "أم رومان" :"أى بنية، خففي عليك الشأن ، فوالله لقلما كانت امرأة حسناء عند رجل يحبها لها ضرائر إلا كَثََّّرْن وَكَثَّر الناس عليها". ولقد كانت السيدة عائشة أيام حديث الإفك مريضة في منزل والدها، فلما نزلت آيات السماء تعلن عفافها ونقاء حياتها، وتبعد عنها ما تكلم به بأهل الإفك والبهتان، عادت إلى بيت الرسول(صلى الله عليه وسلم) تحف بها آيات النور ، واحتلت مكانتها الأولى في بيت الرسول(صلى الله عليه وسلم) الذي يقول:" لا تؤذوني في عائشة".
وعاشت تشهد أمجاد الرسول الذي يؤسس أمة على العدل والتقوى وهو يغزو وينتصر لينشر نور الله في الأرض، حتى حانت اللحظات الأخيرة من حياة البطل المنتصر، فاستأذن نساءه أن يُمَرَّض في بيت عائشة ، التي سهرت عليه تُمرضه وترعاه، وكانت تود لو تفتديه بالروح ليحيا بين أمته مصدر خير ومهبط للبركات، حتى قُبِضَ رسول الله(صلى الله عليه وسلم) في بيتها وحجرها، وبين سَحرِها ونحرها ( السحر كل ما تعلق بالحلقوم من قلب ورئة).
ودفن (صلى الله عليه وسلم) حيث قبض، وتولى أبوها الخلافة من بعده بتوجيه النبي الكريم، وكان لأبيها من الشخصية الفذة ما حال بينها وبين التدخل في الشؤون السياسية، وكذا في عهد عمر بن الخطاب ، حتى تولى عثمان بن عفان الخلافة، وهو الذي تحمل له الإحترام والتقدير ، لأنه تزوج بابنتي رسول الله(صلى الله عليه وسلم)، وبعد سنتين من خلافته كان قد قَرَّب الأمويين وقدمهم على غيرهم وأهمل غير الأمويين، مما سبب خروج الناس عليه وتأججت ثورة ضده، وزحف على المدينة بعض الثائرين من البصرة والكوفة ومصر، وقتل عثمان فخاضت السيدة عائشة غمار الحياة السياسية وحضرت بعض المواقع الحربية ، وكان يشد من أزرها طلحة والزبير.
وفاتها
كانت السيدة عائشة رضي الله عنها ذات شرف ونسب، وضاءة الجبين، معتدلة القوام، تتصف بالاحتشام والوقار، وكانت ترغب في لبس الطريف، وتوجه النصح للنساء للعناية بأنفسهن.
وكانت رضي الله عنها تقية ورعة، تصلي وتصوم وتحج وتعتمر، وتحسن الى الفقراء، وتترفع عن شهوات الدنيا، ولقد روى أنها تصدقت بسبعين ألف درهم في يوم واحد، وشاءت إرادة الله أن ينتابها مرض في آخر أيامها، وزارها أكابر الصحابة، ومن بينهم ابن عباس رضي الله عنهما ، الذي دخل عليها معزيا إياها بحب الرسول لها، وبنزول آية التيمم بسببها، وسورة النور التي برأتها من فوق سبع سموات ولكنها ما لبثت أن توفيت ولها من العمر ستة وستون عاماً، وكانت وفاتها يوم الثلاثاء السابع عشر من شهر رمضان سنة 58ﻫ ،وصلى عليها أبو هريرة رضي الله عنه في البقيع ليلاً، ولقد اشتد حزن الناس عليها، لأنها كانت مرشدة كريمة، موجهة أمينة، وناصحة فاضلة، وزوجة لأحب خلق الله. وبموتها طُويت صفحة زاخرة مليئة بالحوادث، تتحدث عنها الأجيال، ويستوحي من حياتها معاني الاعتزاز بالنفس.رضي الله عنك يا أم المؤمنين ، وسلام عليك في الأولين والآخرين.