العودة للصفحة الرئيسية

أم المؤمنين زينب بنت جحش
رضي الله عنها

لم يقف المستشرقون طويلاً أمام زوجة من زوجات نبينا الكريم عليه أفضل الصلاة والتسليم مثلما وقفوا أمام هذه الشخصية الكريمة النبيلة الأصيلة ذات الشرف والحسب "زينب بنت جحش" رضي الله عنه، التي تزوجها الرسول (صلى الله عليه وسلم) وكان زواجها سبباً في تقرير مبدأ جديد غير ما كان معروفاً قبل ذلك بين العرب أجمعين. فمن المعروف عند العرب أن للأدعياء حقوفاً كلأبناء فى النسب والميراث، فلايجوز التزوج بنسائهم، ومن هنا اتخذ المستشرقون هذا الزواج ذريعة ليتشدقوا ويظهروا خصومتهم للإسلام، ويفتروا على التاريخ، وسوف نتبين افتراءاتهم وكذبهم على نبي الإسلام(صلى الله عليه وسلم).
اسمها ونسبها
هى السيدة زينب بنت جحش بن رئاب الهامشية القرشية وأمها أُميمة بنت عبد المطلب بن هاشم بن عبذ مناف بن قصي. فهى بنت عمة رسول الله (صلى الله عليه وسلم)،أسلمت في بدء الإسلام، هاجرت مع أهلها إلى المدينة وكانت تكبر وتترعرع وبدا عليهاالجمال . وكانت تعتز بذلك وتفخر بنسبها الرفيع وتُرَدِّد: أنا سيدة أبناء عبد شمس، وفوق هذا كانت تدل بقرابتها لرسول الله (صلى الله عليه وسلم)، مما كان يزيد من مكانتها ورفعتها.وكانت ترقبها العيون، ويتمنى كل شاب في المدينة أن ينال منزلة القرب من بيت النبوة ويتزوج تلك الهاشمية الجلية القدر، والعظيمة الشأن، وكان ن شباب الإسلام وفتيانهم زيد بن حارثة رضي الله عنه.
زيد بن حارثة
زيد بن حارثة بن شراحبيل بن كعب، خرجت به أُمُّهُ "سُعْدَى بنت ثعلبة" لتزور أهلها فأغار عليها خيل من بني القين وأخذوه أسيرا باعوه في أسواق العرب، ووقع في يد خديجة بنت خويلد التي وهبته لرسول الله (صلى الله عليه وسلم)
قبل البعثة . وعاش معه ردحاً من الزمن،وكان يُلَقَّب زيد بن محمد بعد أن رفض العودة مع أبيه بعد التعرف عليه ، ولمَّا دُعِيَ إلى الإسلام كان أول من أسلم بعد على بن أبي طالب، وعاش في بيت النبوة قريبا من قلب الرسول، حتى كان يطلق عليه حب رسول الله. ولما جاء الإسلام بتعاليمه كان من مبادئه الأساسية: ﴿ ادْعُوَهُمْ لآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ فَإِن لَّمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ الأحزاب.
ومن هنا لُقِّب زيد بن حارثة، نسبة إلى أبيه وتطبيقا لنظام الإسلام.وبلغ زيد مبلغ الرجال وطلب من رسول الله أن يخطب له، وفرح رسول الله فرحته الكبرى، أذا طالما تمنى أن يكون لزيد مولاه بيت هادى ينعم فيه بلذة القرب من زوجة وفية، ويشعر فيه بالراحة والاستقرار ، وطلب زيد أن تكون زوجته "زينب بنت جحش" التى أعلنت رفضها لهذا الأمر، لأنها من أسرة لها مكانتها الاجتماعية، وزيد من طبقة الموالي وقد جرى العرف أن لكل طبقة أكفاءها. وهنا نزل قول الله عز وجل : ﴿ وَمَا   كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُّبِيناً ﴾ الأحزاب.
موافقة زينب
وتراجعت زينب عن موقفها وخشيت أن تكون ممن ينطبق عليهن العصيان لله ورسوله، ورضيت بالزواج الذي كان ثورة اجتماعية أعلنها الإسلام على النظم التي كانت سائدة في البيئة العربية والتي كان من شأنها أن تقسم الناس إلى طبقات، وهناك حدود بين هذه الطبقات فاصلة لا يمكن تخطيها، فطبقة الموالي كانت دون السادة الأشراف بمراحل كثيرة ، والعرب أنفسهم على طبقات تمثل قريش المرتبة الأولى، فكان زواج المولى بقرشية حدثا ذا خطورة كبيرة أراد به الرسول أن يبن أن الإسلام يرفع من شأن المولى ليضعه في طبقة الأشراف، بل ليبين عمليا أنه ليس في الإسلام شريف أو وضيع، بل هم سواسية أمام الدين وأنه لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى، وأن الناس جميعا خُلقوا من ذكر وأنثى، فأصلهم واحد،  فلا تمايز بينهم بحسب أو نسب، كما أنه من المعلوم أن زينب رضي الله عنها كانت ترجو أن تتزوج ممن يناسبها شرفا ومقاماً، ولكن هذا الزواج كان وراءه حكمة تشريعية كبيرة.
في بيت واحد
ومرت الأيام، وعاش زيد وزينب في بيت واحد، وكان بينهما فرق، فزيد رضي الله عنه من الموالي وزينب قرشية هامشية، كبيرة النفس، عزيزة الجانب كانت تنظر إلى زوجها وتتذكر حالها فلا تملك إلا أن ترفع وجهها إلى السماء تسأل الله العلي القدير أن يجعل لها من هذا الجحيم الأرضي مخرجا. ومن المعلوم أن الزواج الذي لا يقوم على التكافؤ الاجتماعي والثقافي بين الزوجين يكون مبنيا على الاضطراب ومآله إلى الانفكاك. مضت الأيام، وكان زيد أحب زوجته الحب كله، ولكنها كانت قاسية عليه، فبدأت الكراهية تتسرب إلى قلبه،ولم يعد يحتمل البقاء معها، وكان يذهب إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يشكو له همه وسأله الموافقة على طلاقها لسوء معاملتها له، ولكن الرسول (صلى الله عليه وسلم) كان يقف دائما موقف الناصح الأمين ويقول له :"أمسك عليك زوجك واتق الله، ولا تقدم على ما أنت قادم عليه"، لأن الرسول كان أحرص الناس على دوام العشرة بين الزوجين، إلا أنه كان هناك أمر إلهي يعلمه الله تعالى من الأزل، وهو تغيير مبدأ من المبادئ السائدة، وهو أن "ليس للمتبني حكم الابن في كل شيء".
أمر الله
وطُلِّقَتْ زينب عند استحالة العشرة بين الزوجين ليتم التشريع الجديد تشريع السماء الذي تسعد به الإنسانية، وينزل أمر الله لرسوله الكريم أن يتزوج زينب رضي الله عنها، ضرب الرسول بهذا الزواج أسمى المثل في السنة الخامسة من الهجرة، وكان عمرها عند الزواج خمسا وثلاثين سنة، وكانت تفتخر بأن الله زوَّجها من فوق سبع سموات، ودخل عليها الرسول (صلى الله عليه وسلم) بغير إذن من أهلها ، وسجدت لله شكرا لأن الله أجاب دعوتها وطُلِّقَتْ من زيد وجزاها خير الجزاء وزوجها من رسوله الكريم.
والمتأمل في هذا الزواج يرى أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) لو كان له رغبة في زينب لتزوجها في أول الأمر بكراً ، لأنها بنت عمته وليس بخاف عليه جمالها منذ صغرها، فقد كانت أمام عينيه يراها في غدوه ورواحه، ولكن الرسول كان يعاني في سبيل دعوته وبث رسالته، الأمر الذي جعله لا يفكر في أى امرأة ليتزوج بها لجمالها أو مالها أو حسبها، وإنما كان يضم إليه أرملة شهيد ذات أولاد يؤويهم ويضفي عليهم حنانه ورعايته، وتارة لِيَسِنَّ سنة ويُبَيِّن حكم الله فيما جهل الناس فيه حكم الله ،وكان القصد من وراء زواجه بزينب هو تغيير ما تعارف عليه العرب وإلغاء هذه العادة، وأن المتبني ليس كابن الصلب ، وهذا التشريع لابد أن يبدأ به رسول الله ليكون قدوة لأتباعه. يقول الله تعالي : ﴿ وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ   لاَ   يَكُونَ عَلَى المُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً (37) مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَّقْدُوراً ﴾الأحزاب.
لقد كان رسول الله – صلوات الله وسلامه عيه- يخشى تَقَوُّل الناس عليه بأنه تزوج من كان زوجا للذي تبناه والذي أنعم الله عليه بالإيمان والإسلام، وهذا أجَلُّ النِّعَم، وأنعمت عليه أنت يا محمد بالعتق وبإلحاقه بك.

 

أعداء الإسلام
نعم، لقد كان بين الزوجين تنافر فأراد الله لزيد أن يُطَلِّق زوجته ليتزوجها الرسول(صلى الله عليه وسلم) لكي لا يكون على المؤمنين حرج فيما أحله الله لهم في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطراً، وكان أمر الله مفعولا. وأمام هذه القصة يقف المستشرقون وأعداء الإسلام ليتقولوا على النبي الكريم لأنه تزوج زوجة ابنه من التبني (فأي نبي هذا ؟ ) ﴿ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِن يَقُولُونَ إِلاَّ كَذِباً الكهف. ويكفي لإسكاتهم إعجاز الله في كلماته الكريمة التي تحوى بلاغة الرد وعظمة الحق الذي يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، حيث  خاطبه المولي جل وعلا بقوله: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلاَ تُطِعِ الكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً (1) وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً (2) وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً (3) مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَمَا   جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللاَّئِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُم بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ الأحزاب. ويكفي هذا الرد لإسكات هؤلاء المرجفين فالنبوة الحقيقية صلة في النسب ، والأدعياء تسميتهم عارضة، وإلصاق بمن ليسوا لهم آباءً،  وذلك لا يدل على النبوة الحقيقية، ولقد كان هذا الزواج خطوة للتشريع الجديد الذي أراده لنبيه (صلى الله عليه وسلم) واختار الحق نبيه الكريم ليقوم بالتطبيق العملي أمام المجتمع، لأنه هو القدوة للناس أجمعين.
في بيت النبوة
وعاشت السيدة زينب بنت جحش رضي الله عنها في بيت النبي الكريم، وكانت صوامة قوامه متصدقة، قال عنها الرسول (صلى الله عليه وسلم) في حديث لعمر بن الخطاب: " إن زينب بنت جحش أوَّاهة"، فقال رجل : يا رسول الله، ما الأوَّاه؟ قال :" الخاشع المتضرع " ثم تلا عليه الصلاة والسلام :﴿ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُّنِيبٌ ﴾هود.
وكانت كريمة خيرة، تصنع بيديها ما تحسن صنعه ثم تتصدق به على المساكين، فكانت بذلك أما رحيمة، قال عنها الرسول(صلى الله عليه وسلم) :" أسرعكن لحاقاً بى أطولكن يدا". فكانت نساء النبي إذا اجتمعن في بيت واحدة بعد وفاة رسول الله(صلى الله عليه وسلم) – كما تقول السيدة عائشة- نمد أيدينا في الجدار نتطاول، فلم نزل نفعل ذلك حتى توفيت زينب بنت جحش ولم تكن بأطولنا، فعرفنا حينئذ أن النبي (صلى الله عليه وسلم) إنما أراد طُولَ اليد بالصدقة وكانت زينب امرأة صنَّاعة اليدين ، تدبغ وتخرز وتتصدق في سبيل الله.وقد انتقل الرسول (صلى الله عليه وسلم) إلى ربه راضيا مرضيا، وكانت زينب أول نسائه لحاقا به.
إلى جوار الله 
توفيت سيدتنا زينب سنة 20من الهجرة، وصلى عليها عمر بن الخطاب ، ودفنت في البقيع، وكان عمرها عند وفاتها ثلاثا وخمسين سنة، وعندما بلغ السيدة عائشة نعيها قالت :" ذهبت حميدة متعبدة مفزع اليتامى والأرامل ". كما أن السيدة أم سلمه ترحمت عليها وذكرت ما كان يكون بينها وبين عائشة ، ثم قالت: كانت زينب لرسول لله(صلى الله عليه وسلم) معجبة كانت امرأة صالحة صوامة قوامة صناعة اليدين، تصنع بيديها ما تحسن صنعه ثم تتصدق بذلك كله على المساكين . ويروى أن عمر بن الخطاب – وهو أمير المؤمنين – أرسل إليها عطاءها اثني عشر ألفا، فجعلت تقول اللهم لا يدركني هذا المال في قابل فإنه فتنة، ثم قسمته في أهل رحمها وفي أهل الحاجة. وعندما حضرتها الوفاة قالت :إني قد أعددت كفني وإن عمر أمير المؤمنين سيبعث إلىَّ بكفن فتصدقوا بأحدهما .
يا نساء المسلمين، هذه رائدة لَكُنَّ في الخير فاقرأن سيرتها لتتعرفنَّ على المُثُل الكريمة، والعمل الصالح الذي يرفع الله صاحبه إلى أعلى الدرجات وليكن دعاؤنا جميعا : ﴿ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلاَ تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ الحشر.