العودة للصفحة الرئيسية

السيدة خديجة بنت خويلد
اسمها ونسبها
هى أم المؤمنين خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العُزَّى بن قُصّي بن كلاب بن مرة.
وأمها فاطمة بنت زائدة بن الأصم بن هَرِم بن رواحة . وكانت تدعى في الجاهلية : الطاهرة ، العاقلة ، وتكنى بأم هند.
زواجها قبل النبي صلى الله عليه وسلم
أراد ورقة بن نوفل – وهو ابن عمها وأحد حكماء العرب – أن يتزوجها بعد أن ذكرت له، ولكن الزواج لم يتم. ولكن تزوجها عتيق بن عائذ بن عبد الله المخزومي .. فولدت له ولداً أسمته "عبد الله" وبنتاً أسمتها " هنداً " ثم مات عنها فتزوجها أبو هالة، واسمه هند بن زرارة التميمي، فولدت له ولداً أسمته " هنداً " وبنتاً أسمتها "زينب " ثم مات عنها.
خديجة تقبل الزواج بمحمد صلى الله عليه وسلم  
وكانت سيدتنا خديجة تعيش في المجتمع المكي طاهرة السيرة، كريمة النفس ، سخية اليد، عفيفة الذيل، لها مال وثروة ، تستأجر الرجال ليقوموا لها بالتجارة في مالها بشيء تجعله لهم من المكسب. وكانت تتخير الرجال الذين عرفوا بالأمانة والصدق، واشتهرت سيرتهم بالعفة وضبط النفس والحلم. وكان سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم  شابا من شباب قريش اجتمعت فيه الخصال المذكورة، علاوة على "أنه كان وسيم الطلعة ، مبسوط الجبين ، واسع العينين ، أدعجهما ، يشوب بياضهما في الجوانب حمرة خفيفة تزيد في قوة جاذبيتهما، وذكاء نظرتهما، له أهداب طوال مستوي الأنف دقيقه، مفلج الأسنان ، كث اللحية ، طويل العنق ، عريض الصدر ، رحب الساحتين، أظهر اللون، يسير ملقياً جسمه إلى الأمام ، مسرع الخطو ثابته، على ملامحه سيماء التفكير والتأمل ، وفي نظرته سلطان آمر، يخضع الناس لأمره"
ويقول الدكتور محمد حسين هيكل في كتابه "حياة محمد"  "هذا الشخص العظيم كان يعيش في مكة ، وكان له أصدقاء ، وكانوا إذا اجتمعوا يجدونه قليل الكلام ، ميالا للجد من القول. يمزح ولا يقول إلا حقا. وقد عرف بثبات العزيمة وقوة الإرادة، عرفه الناس بالجود والكرم، والوفاء الكامل، ومن كانت تلك صفاته لا بد أن تتخيره السيدة الفاضلة اللبيبة الكريمة – خديجة – ليتاجر لها في مالها. وقد وافق وخرج فعلاً بتجارة إلى الشام، وكان لها غلام  يدعى "ميسرة" رافق سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم  في هذه الرحلة ، فرأى العجب في صحبته فقد رأى أن الشمس عندما تشتد حرارتها تأتي غمامة فتظلل محمداً ومن يجاوره .
كذلك نزل محمد وميسرة تحت شجرة يستريحان ، فجاء راهب كان في صومعة بالقرب من هذه الشجرة، وقال لميسرة: من هذا الرجل ؟ قال ميسرة : هو رجل من قريش من أهل الحرم . قال الراهب : ما نزل تحت هذه الشجرة قط إلا نبي!
وسارت القافلة إلى الشام بعد ذلك، وباع محمد وربح أكثر مما كان مقدراً ، وبمدة بسيطة قبل أن يبيع التجار الذين معه، واشترى ما أراد. ولما رجع من الرحلة سلم صاحبة المال مالها وانصرف. وكانت سعيدة بالربح، إلا أنها سعدت أكثر عندما سمعت أخبار الرحلة من "ميسرة" ، حيث ذكر لها ما شاهده في الرحلة وما رآه ، وما قاله الراهب، وهنا أسرعت خديجة بالتوجه إلى ورقة بن نوفل ، وهو أحد الحنفاء الذي قرأ في الكتب السابقة، وعرف من أخبار النبيين الكثير. فلما سمع من خديجة ما سمع اعتدل في جلسته وقال : سبوح قدوس، رب الملائكة والروح إن صح ما ذكرت يا خديجة فإن هذه أمارات وعلامات النبي الذي آن أوانه ، وَسَيُبْعَثُ من مكة، وإنه لنبي هذه الأمة.
هنا تحركت عواطف السيدة خديجة وشعرت بشيء من الرضا والارتياح، وتقرر في نفسها أمراً .  
زواج موفق
 تقول بعض الروايات : إن خديجة أرسلت نفيسة بنت منية صديقتها إلى محمد صلى الله عليه وسلم تسأله عن سبب عزوفه عن الزواج إلى اليوم ، فأجابها: "ما بيدي ما أتزوج به " قالت  فإن دُعيت إلى الشرف والكفاءة والجمال والمال ؟ قال : "من تعنين؟" قالت : خديجة . فقال محمد صلى الله عليه وسلم في نفسه " خديجة التي يرغب فيها أغنياء القوم وعظماؤهم وهى تردهم في أنفة وكبرياء تقبلني أنا اليتيم الفقير؟" ولكن سرعان ما تنبه إلى الواقع المحسوس أنَّ مَنْ مثله في رجولته الفذة وخلقه الكامل ما يجعل خديجة تميل وترغب إليه ، هى وأمثالها من فضليات النساء. وقد جاء في سيرة ابن هشام : أن محمداً صلى الله عليه وسلم انطلق يسعى نحو الكعبة فإذا بكاهنة تلقاه في الطريق وتسأله قائلة : جئت خاطباً يا محمد ؟ أجاب غير كاذب: "كلا" فتأملته برهة ثم هزت رأسها وهى تقول: وَلِمَ؟ فوالله ما في قريش امرأة – وإن كانت خديجة – إلا وتراك كُفْئاً لها. ومضت أيام قلائل ثم تلقى دعوة خديجة ، فسارع إليها وفي صحبته عماه: أبو طالب وحمزة، وفي بيتها كان هناك بعض أقاربها . وتكلم أمامهم أبو طالب الذي قال : أما بعد : فإن محمداً ممن لا يُوازَنْ به فتى من قريش إلا رجح به شرفاً ونبلاً، وفضلاً وعقلاً، وإن كان في المال قل فإن المال ظَلٌّ زائلٌ، وَعَارِيَةٌ مُسْتَرْجَعَة، وله في خديجة بنت خويلد رغبة ولها فيه مثل ذلك ، فأثنى عليه عمها عمرو بن أسد ، وزوجها منه.
ومرت أيام وأيام والزوجان ينعمان بأطيب حياة زوجية بينهما وبالألفة والاستقرار، وقد رُزقا بالبنين والبنات، وأولادها منه ستة: القاسم، وعبد الله، وقد ماتا في الصغر، وزينب ورقية، وأم كلثوم، وفاطمة. ومضت الأيام  ومحمد صلى الله عليه وسلم سعيد ببناته – على غير ما ألفت العرب – هانئ بحياته الزوجية.
وكان صلى الله عليه وسلم ميالاً إلى العُزلة، ثم حُببت إليه الخلوة، فكان يذهب إلى "غار حراء يتحنث فيه الليالي ذوات العدد، حتى يعود إلى أهله فيتزود لمثلها، وخديجة فى كل هذا ترقبه وتتابع خطواته بدون ملل أو شكوى أو نفور، وكأنها تترقب المكنون في عالم الغيب لتسعد به.
النبي البشير
وبينما محمد صلى الله عليه وسلم فى غار حراء يتعبد إذ نزل عليه ملك من السماء فقال : "يامحمد، اقرأ. قال: " ماأنا بقارىء؟ " فأخذه وضمه إلى صدره ثم أرسله وقال: اقرأ، قـال : " ما أنــا بقارىء " فأخذه وضمه إلـى صدره ثم أرسـله وقـال: ﴿ اقْرأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ﴾ سورة العلق ورجع محمد صلى الله عليه وسلم إلى خديجة يرجف فؤاده ويقول "زملوني زملوني " ثم يقول لخديجة : " لقد خشيت على نفسى" ثم أخبرها الخبر، ولكن خديجة التي عرفته عن قرب ولمست فيه صفات الكمال تقول وهى تنظر إليه نظرة حانية ملؤها العطف والتقدير: "كلا والله لا يخزيك الله أبداً " ثم تعلل ذلك فتقول: " إنك لتصل الرحم، وتحملُ الكَلَّ ، وتكسب المعدوم، وتعين على نوائب الحق". ومن أعرف الناس بدخيلة الرجل من زوجته؟ فهى ألصق الناس به، وأقربهم إليه، فشهدت بما عرفت، وحكمت بما سمعت، وهى اللبيبة الطاهرة.
ثم تُدَثِّره في فراشه ويغط الرسول صلى الله عليه وسلم فى نومه. ثم تجمع بناتها من حولها وتبشرهن بما حدث للأب العظيم، ثم تذهب خديجة إلى ورقة بن نوفل وتقص عليه ما حدث، فيرد عليها ورقة: " أبشري يابنت العم، هذا هو الناموس الذي أنزله الله على موسى". وعندما ترجع خديجة إلى بيتها يكون الرسول صلى الله عليه وسلم قد استيقظ من نومه ويقول: " ياخديجة، لقد وَلَّـي عهد النوم وذهب عهـد الراحة" ثم تلا قول الله تعالي  ﴿ يَا أَيُّهَا المُزَّمِّلُ (1) قُمِ اللَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاً (2) نِّصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً (3) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ القُرْآنَ تَرْتِيلاً (4) إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً﴾ (1) سورة المزمل. وهنا تعلن خديجة استجابتها على الفور، وأنها مؤمنة برسالته، مصدقة لما يقول.
ومنذ تلك اللحظة وهى واقفة بجواره، تشد أزره، وتعينه على احتمال أقصى ضروب الأذى والاضطهاد من قومه . بذت من مالها، وضحت فى سبيل ما جاء به، وذاقت مرارة الحرمان عندما حوصر الرسول صلى الله عليه وسلم في شعب بني هاشم. إنها ربيبة عز وجاه ، ولكن حبها لعقيدتها جعلها تصبر على أقسى أنواع البلاء بجوار زوجها الوفى، رسول الله صلى الله عليه وسلم. 
اختبار وسلام
كان الرسول صلى الله عليه وسلم يخبر خديجة عن جبريل، رسول الوحي الذي يأتيه بخبر السماء فقالت: "أتسطيع أن تخبرني بصاحبك هذا الذي يأتيك إذا جاءك ؟" فلما جاءه جبريل قال لخديجة: " هذا جبريل قد جاءنى " قالت: " قم فاجلس يا ابن عم على فخذي الأيسر". فقام صلى الله عليه وسلم فجلس عليها. فقالت: "هل تراه؟"، قال "نعم". قالت: "فتحول وقعد على فخذي الأيمن". فتحول صلى الله عليه وسلم كما أرادت ، فقالت : "هل تراه؟".
قال :نعم فألقت خمارها ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس فى حجرها ثم قالت "هل تراه؟"، قال "لا". قالت: "يا ابن عم اثبت وأبشر، فوالله إنه لَمَلَكٌ وماهو بشيطان" ثم غاب جبريل عليه السلام، وذهبت خديجة تعد طعاماً لرسول الله صلى الله عليه وسلم ونزل جبريل عليه السلام على الرسول صلى الله عليه وسلم : فقال : "يامحمد، هذه خديجة قد أتتك بإناء فيه طعام فإذا جاءتك فاقرأ عليها السلام من ربها" فقال صلى الله عليه وسلم "ياخديجة ، هذا جبريل يقرئك من ربك السلام". قالت خديجة : " الله هو السلام ، ومنه السلام، وعلى جبريل السلام".
منزلتها في الجنة
روى أن فاطمة رضي الله عنها قالت لأبيها صلى الله عليه وسلم " لايهنأ لي عيش حتى تسأل جبريل عن أمي . فقال " هى بين مريم وسارة في الجنة" .
وروى أن جبريل قال للنبي صلى الله عليه وسلم " بَشِّر خديجة ببيت فى الجنة من قصب ، لا صخب فيه ولا نصب " كما روى أنه صلى الله عليه وسلم خط أربعة خطوط وقال : " أتدرون ما هذا ؟ قالوا: "الله ورسوله أعلم". فقال: " أفضل نساء أهل الجنة خديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد، ومريم ابنة عمران، وآسية بنت مزاحم زوجة فرعون".
ذكرى دائمة
خديجة هى أول من آمن برسالة محمد صلى الله عليه وسلم شدت من أزره، وبذلت من مالها، ووقفت بجواره، وكانتا بمثابة الأم الحنون، والأخت البارة، والزوجة الكريمة، تواسيه وتخفف عنه الآلام عندما يرجع مهموماً، ولم تجعله يحمل هم الأولاد، فكانت ترعاهم وتكفيه كل شيء، ولا نستطيع أن نقول فيها إلا كما قال الشاعر:
ولو أن النساء كمثل هذى   لفضلت النساء على الرجال
ولقد كانت ذاكرها الطيبة العطرة على لسان الرسول صلى الله عليه وسلم  ، وخيالها لم يفارقه، ولذلك كانت عائشة تقول: " كان الرسول ، إذا ذكر خديجة أثنى عليها وأحسن الثناء. قالت: فغرت يوماً وقلت : ماتذكر من عجوز من عجائز قريش حمراء الشدقين هلكت من الدهر، وقد أبدلك الله خيراً منها" فتغير وجهه صلى الله عليه وسلم وزجر عائشة غاضباً وقال: " والله  ماأبدلنى الله خيراً منها: آمنت بي إذ كفر الناس، وصدقتنى إذ كذبنى الناس، وواستني بمالها إذ حرمني الناس، ورزقني الله منها الولد دون غيرها من النساء" فقلت بيني وبين نفسي:"لا أذكرها بسوء أبداً".
ولم يكن صلى الله عليه وسلم يسأم من الثناء عليها والاستغفار لها. وكان إذا ذبح شاة يقول: "اذهبوا بهذه إلى أصدقاء خديجة" وكثيراً ما يذكر أصدقاءها بالخير وكان يرتاح لأقربائها ،والوفي شيمته الوفاء لمن أحب.
وفاتها 
عاشت سيدتنا خديجة رضي الله عنها بمكة تحيط الرسول صلى الله عليه وسلم  بعطفها ، وتحنو عليه الحنو كله، وشاركته في محنة الحصار بإيمان راسخ، ولما فك الحصار – وكان الاضطهاد قد بلغ منها ما بلغ – علاوة على أن سنها قد تقدمت، حيث أصبحت في الخامسة والستين من عمرها، رقدت مريضة منهكة نتيجة ماألم بها من وهن أخذ يدب في جسمها، وهى وإن كانت تتشبث بالحياة كي تظل على صلة بالهادي الأمين حتى يُبَلِّغ دعوة ربه إلا أن قَدََرَ الله إذا جاء لا يُؤَخر، فأسلمت روحها بين يدي الرجل الذي أحبته منذ رأته وصدقت برسالته حين سمعت بها. وكانت وفاتها بمكة قبل الهجرة بثلاث سنوات، في شهر رمضان، وقد نزل صلى الله عليه وسلم في حفرتها وأضجعها في مقرها الأخير وهو دامع العين، لأنه فقد بفقدها السكن النفسي، وسمى العام الذي ماتت فيه عام الحزن.
وقد حزن عليها حزناً شديداً. وعاش صلى الله عليه وسلم بعدها يؤدي رسالة ربه. ودخل الناس في دين الله أفواجاً، وقد كان صلى الله عليه وسلم يتذكر خديجة رضي الله عنها في كل مواقفها التي انتصرت له فيها، لأنها كانت ملء قلبه. فرضي الله عنها، وأحسن جزائها جزاء ما بذلت من تضحية فى مؤزارة الدعوة الإسلامية ورسول الدعوة وما عند الله خير وأبقى.