أول اسم في الخالدين هو محمد صلى الله عليه وسلم . والمؤلف ليس مسلماً ولا يعرف إن كان مسيحيا أو يهوديا أو ملحدا ، ولكنه باحث أمريكي استعرض الرجال العظماء في التاريخ ، ووجد أن أعظمهم وأخلدهم بكل المقاييس هو النبي الأمي محمد رسول الله .
أما أساس اختيار هؤلاء العظماء فهو شخص الرجل والأثر الذي تركه ومدى اتساع هذا الأثر وعمقه ، وإن كان لا يزال موجودا حتى اليوم ، وقد رأى المؤلف أن محمدا صلى الله عليه وسلم هو أعظمهم وأعمقهم وأوسعهم أثرا.
وأنه لم يحدث في التاريخ أن اكتمل دين بكل عناصره الفلسفية والأخلاقية والتشريعية سوى الإسلام ، وأن هذا الدين قد كمل تماماً في حياة صاحب الدعوة إليه .. وأن الدين قد انتصر في حياته ... واتسع بعد وفاته حتى أصبح المسلمون 900 مليوناً في جميع أنحاء العالم .....
من أجل ذلك كان محمد صلى الله عليه وسلم أول الخالدين .
صدر كتاب بعنوان " المائة: تقويم لأعظم الناس أثرا في التاريخ " المؤلف هو عالم فلكي رياضي يعمل في هيئة الفضاء الأمريكية . أما متعته الأولى فهى دراسة التاريخ والمؤلف يدعى مايكل هارت .
ولكن المؤلف أقام اختباره لشخصياته الخالدة على عدة أسس ، من بينها أن الشخصية يجب أن تكون حقيقية ، فهناك شخصيات شهيرة وبعيدة الأثر ولا أحد يعرف إن كانت قد عاشت أو لم تعش .. مثل الحكيم الصيني لاوتسو ... لا أحد يعرف هل هو إنسان أو أسطورة .... والشاعر الإغريقي هوميروس .. لا أحد يعرف إن كان حقيقة ، والشاعر الإغريقي ايسوب صاحب الأمثال والحكم .. هو أيضا لا نعرف إن كان قد عاش حقا .ولذلك استبعد مثل هذه الأسماء .
كما أنه أقام أساس الإختيار علي أن يكون الشخص عميق الأثر سواء كان هذا الأثر طيبا أو خبيثا , ولذلك كان لا بد أن يختار هتلر .. لأنه كان عبقرية شريرة ولا بد أن يكون للشخص أثر عالمي , إذ لا يكون أثر إقليمي .. ولذلك استبعد كل الزعامات السياسية والدينية، والمواهب العلمية التي لها أثر "محلي" فقط . واستبعد المؤلف كل الأشخاص الأحياء ، أيا كانت آثارهم البالغة .. فإن أحدا لا يعرف بعد ، كم تعيش آثارهم على بلادهم أو على الإنسانية .. فالمستقبل يجيب .
المهم هو أن يكون للشخصية أثر " شخصي " عميق متجدد على شعبها وعلى تاريخ الإنسانية ولذلك فقد اختار محمدا صلى الله عليه وسلم أول هذه القائمة . وعنده لذلك أسباب مقنعة .
وليس هذا الكتاب إلا واحدا من عشرات الكتب التي صدرت أخيرا في العالم الغربي المسيحى عن عظمة المسلمين والإسلام.
صحيح أن المؤلف الأمريكى لم يقلب طويلا فى التاريخ الإسلامى أو الفكر العربى ، وإلا لوجد عطاء في كل فروع المعرفة. ففضل العرب والمسلمين على الحضارة الغربية معروف له ولغيره من العلماء الجادين المخلصين ومن المؤكد أن الرجل مخلص وصادق في حكمه على الكثيرين من عظماء التاريخ .
محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم
(570 – 632م)
يقول المؤلف : لقد اخترت محمدا صلى الله عليه وسلم في أول هذه القائمة , ولا بد أن يندهش كثيرون لهذا الاختيار ومعهم حق في ذلك ولكن محمدا عليه السلام هو الإنسان الوحيد في التاريخ الذي نجح نجاحا مطلقا على المستوى الديني والدنيوي وهو قد دعا إلى الإسلام ونشره كواحد من أعظم الديانات وأصبح قائدا سياسيا وعسكريا ودينيا . وبعد 13 قرنا من وفاته ،فإن أثر محمد عليه السلام ما يزال قويا متجددا.
وأكثر هؤلاء الذين اخترتهم قد ولدوا ونشئوا في مراكز حضارية ومن شعوب متحضرة سياسيا وفكريا إلا محمد صلى الله عليه وسلم فهو قد ولد سنة 570 ميلادية في مدينة مكة جنوب شبه الجزيرة العربية في منطقة متخلفة من العالم القديم بعيدة عن مراكز التجارة والحضارة والثقافة والفن.
وقد مات أبوه وهو لم يخرج إلى الوجود، وأمه وهو في السادسة من عمره وكانت نشأته في ظروف متواضعة وكان لا يقرأ ولا يكتب.
ولم يتحسن وضعه المادي إلا في الخامسة والعشرين من عمره عندما تزوج من أرملة غنية، وفي الأربعين من عمره امتلأ قلبه إيمانا بأن الله واحد أحد ، وأن وحيا ينزل عليه من السماء وأن الله قد اصطفاه ليحمل رسالة سامية إلى الناس ، وأمضى محمد صلى الله عليه وسلم ثلاث سنوات يدعو لدينه بين أهله وعدد قليل من الناس ، وفي 613 ميلادية أذن الله لمحمد صلى الله عليه وسلم بأن يجاهر بالدعوة إلى الدين الجديد فتحول قليلون إلى الإسلام.
وفي 622 ميلادية هاجر الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة وهى تقع على مدى 200 كيلو متر من مكة المكرمة وفي المدينة المنورة اكتسب الإسلام مزيدا من القوة واكتسب رسوله عددا كبيرا من الأنصار.
وبسرعة اكتسب الرسول والإسلام قوة ومنعة وأصبح محمد صلى الله عليه وسلم أقوى وأعمق أثرا في قلوب الناس .
وقبل وفاته بسنتين ونصف السنة شهد محمد صلى الله عليه وسلم الناس يدخلون في دين الله أفواجا ... ولما توفى الرسول صلى الله عليه وسلم كان الإسلام قد انتشر في جنوب شبه الجزيرة العربية.
وكان البدو من سكان شبه الجزيرة مشهورين بشراستهم في القتال . وكانوا ممزقين أيضا ورغم أنهم قليلو العدد ولم تكن لهم قوة أو سطوة العرب في الشمال الذين عاشوا على الأرض المزروعة.
ولكن الرسول استطاع لأول مرة في التاريخ أن يُوحد بينهم وأن يملأهم بالإيمان وأن يهديهم جميعا بالدعوة إلى الإله الواحد ولذلك استطاعت جيوش المسلمين الصغيرة المؤمنة أن تقوم بأعظم غزوات عرفتها البشرية فاتسعت الأرض تحت أقدام المسلمين من شمالى شبه الجزيرة العربية وشملت الإمبراطورية الفارسية على عهد الساسانيين وإلى الشمال الغربي واكتسحت بيزنطة والإمبراطورية الرومانية الشرقية .
وربما بدا شيئا غريبا حقا .. أن يكون الرسول محمد صلى الله عليه وسلم في رأس هذه القائمة رغم أن عدد المسيحيين ضعف عدد المسلمين، وربما بدا غريبا أن يكون الرسول عليه السلام هو رقم واحد في هذه القائمة بينما عيسى عليه السلام هو رقم 3 وموسى عليه السلام رقم 16.
ولكن لذلك أسباب : من بينها أن الرسول محمدا صلى الله عليه وسلم قد كان دوره أخطر وأعظم في نشر الإسلام وتدعيمه وإرساء قواعد شريعته أكثر مما كان لعيسى عليه السلام في الديانة المسيحية ،وعلى الرغم من أن عيسى عليه السلام هو المسئول عن مبادىء الأخلاق فى المسيحية ،غير أن القديس بولس هو الذى أرسى أصول الشريعة المسيحية، وهو أيضا المسئول عن كتابة الكثير مما جاء في كتب "العهد الجديد" .
أما الرسول صلى الله عليه وسلم فهو المسئول الأول والأوحد عن إرساء قواعد الإسلام وأصول الشريعة والسلوك الاجتماعي والأخلاقي وأصول المعاملات بين الناس في حياتهم الدينية والدنيوية . كما أن القرآن الكريم قد نزل عليه وحده وفي القرآن الكريم وجد المسلمون كل ما يحتاجون إليه في دنياهم وآخرتهم .
والقرآن الكريم منزل على الرسول صلى الله عليه وسلم كاملاً . وسجلت آياته وهو ما يزال حياً وكان تسجيلا في منتهى الدقة . فلم يتغير منه حرف واحد .. وليس في المسيحية شئ مثل ذلك ، فلا يوجد كتاب واحد محكم دقيق لتعاليم المسيحية يشبه القرآن الكريم . وكان أثر القرآن الكريم على الناس بالغ العمق ، ولذلك كان أثر محمد صلى الله عليه وسلم على الإسلام أكثر وأعمق من الأثر الذي تركه عيسى عليه السلام على الديانة المسيحية ، فعلى المستوى الديني كان أثر محمد صلى الله عليه وسلم قويا في تاريخ البشرية وكذلك كان عيسى عليه السلام .
وكان الرسول عليه الصلاة والسلام على خلاف عيسى عليه السلام رجلاً دنيوياً فكان زوجا وأبا وكان يعمل في التجارة ويرعى الغنم وكان يحارب ويصاب في الحروب ويمرض .. ثم مات .
ولما كان الرسول صلى الله عليه وسلم قوة جبارة فيمكن أن يقال أيضا إنه أعظم زعيم سياسي عرفه التاريخ.
وإذا استعرضنا التاريخ فإننا نجد أحداثا كثيرة من الممكن أن تقع دون أبطالها المعروفين .. مثلا.. كان من الممكن أن تستقل مستعمرات أمريكا الجنوبية عن أسبانيا دون أن يتزعم حركاتها الاستقلالية رجل مثل سيمون بوليفار .... هذا ممكن جدا على أن يجئ بعد ذلك أي إنسان ويقوم بنفس العمل .
ولكن من المستحيل أن يقال ذلك عن البدو... وعن العرب عموما وعن إمبراطوريتهم الواسعة. دون أن يكون هناك محمد صلى الله عليه وسلم .. فلم يعرف العالم كله رجلا بهذه العظمة قبل ذلك وما كان من الممكن أن تتحقق كل هذه الانتصارات الباهرة بغير زعامته وهدايته وإيمان الجميع به .فالعرب يمتدون من العراق إلى المغرب وهذا الامتداد يحتوي دولا عربية. فلم يوحد بينها الإسلام فقط ، ولكن وحدت بينها اللغة والتاريخ والحضارة ومن المؤكد أن إيمان العرب بالقرآن هذا الإيمان العميق هو الذي حفظ لهم لغتهم العربية وأنقذها من عشرات اللهجات الغامضة . صحيح أن هناك خلافات بين الدول العربية.. وهذا طبيعي .. ولكن هذه الخلافات يجب ألا تنسينا الوحدة المتينة بينها فهذا الامتزاج بين الدين والدنيا هو الذي جعلني أؤمن بأن محمد صلى الله عليه وسلم هو أعظم الشخصيات أثرا في تاريخ الإنسانية كلها !....