تولستوي
ويقول الأستاذ عز الدين فرج:
لقد كان هذا الفيلسوف الروسي كاتبا منصفا. فعندما رأى تحامل أهل الأديان الأخرى على الدين الإسلامي، هزته الغيرة على الحق إلى وضع عجالة عن نبي الإسلام، وبعض تاريخ حياته فقال فيها:
"ولد نبي الإسلام في بلاد العرب من أبوين فقيرين، وكان – في حداثة سنه- راعيا يميل إلى العزلة والانفراد في البراري والصحاري، متأملا في الله خالق الكون..
لقد عبد العرب المعاصرون له أربابا كثيرة، وبالغوا في التقرب إليها واسترضائها، وأقاموا لها العبادات، وقدموا لها الضحايا المختلفة.
وكان- كلما تقدم به العمر- ازداد اعتقادا بفساد تلك الأرباب، وأن هناك إلها واحدا حقيقيا، لجميع الناس والشعوب.
وقد ازداد إيمان محمد بهذه الفكرة. فقام يدعو أمته وأهله إلى فكرته، معلنا: أن الله اصطفاه لهدايتهم، وعهد إليه إنارة بصائرهم، وهدم دياناتهم الباطلة، وراح يعلن عن عقيدته وديانته.
وخلاصة هذه الديانة التي نادى بها هذا الرسول : هو أن الله واحد – لا إله إلا هو – وذلك لا يجوز عبادة غيره، وأن الله عادل ورحيم بعباده، وأن مصير الإنسان النهائي، متوقف عليه وحده، فمن آمن به، فإن الله يؤجره أجرا حسنا، وإذا ما خالف شريعة الله، وسار على هواه، فإنه يعاقب في الآخرة عقابا أليما، وأن الله تعالى يأمر الناس بمحبته ومحبة بعضهم بعضا، ومحبة الله تكون بالصلاة، ومحبة الناس تكون بمشاركتهم في السراء والضراء، إن الذين يؤمنون بالله واليوم الآخر، ينبغي عليهم أن يبذلوا وسعهم لإبعاد كل ما من شأنه إثارة الشهوات النفسية، والابتعاد عن الملذات الدنيوية. وأنه يتحتم عليهم ألا يخدموا الجسد ويعبدوه، بل عليهم أن يخدموا الروح ويهذبوها. ومحمد لم يقل عن نفسه إنه نبي الله الوحيد، بل اعتقد أيضا، بنبوة موسى وعيسى. وقال: إن اليهود والنصارى لا يكرهون على ترك دينهم.
وفي سنى دعوته الأولى، احتمل كثيرا من اضطهادات أصحاب الديانات القديمة، شأن كل نبي قبله نادى أمته إلى الحق، ولكن هذه الاضطهادات لم تثن من عزمه، بل ثابر على دعوة أمته.
وقد امتاز المؤمنون كثيرا عن العرب: بتواضعهم وزهدهم في الدنيا، وحب العمل والقناعة، وبذلوا جهدهم في مساعدة إخوانهم في الدين: عند حلول المصائب بهم.
ولم يمض على جماعة المؤمنين زمن طويل، حتى أصبح الناس المحيطون بهم: يحترمونهم احتراما عظيما، ويعظمون قدرهم، وراح عدد المؤمنين يتزايد يوما بعد يوم!!
ومن فضائل الدين الإسلامي: أنه أوصى خيرا بالمسلمين واليهود ورجال دينهم، فقد أمر بحسن معاملتهم، وقد بلغ من حسن معاملته لهم: أنه سمح لأتباعه من الرجال بالتزوج من أهل الديانات الأخرى، ولا يخفى على أصحاب البصائر العالية، ما في هذا من التسامح العظيم". ثم ختم كلمته قائلا:
"لا ريب أن هذا النبي، من كبار الرجال المصلحين: الذين خدموا الهيئة الاجتماعية خدمة جليلة، ويكفيه فخرا، أنه هدى أمته برمتها إلى نور الحق، وجعلها تجنح للسلام، وتكف عن سفك الدماء، وتقديم الضحايا، ويكفيه فخرا: أنه فتح لها طريق الرقي والتقدم، وهذا عمل عظيم: لا يفوز به إلا شخص أوتي قوة وحكمة وعلما. ورجل مثله، جدير بالإجلال والاحترام".