العودة للصفحة الرئيسية

برنارد شو يكرم نبي الإسلام
يقول الأستاذ عز الدين فرج في كتابه (نبي الإسلام):
"لا نعد برنارد شو كاتبا وفيلسوفا انجليزيا عظيما فحسب، بل هو طليعة المفكرين والفلاسفة في العالم أجمع.
ومن أخص خصائص هذا الفيلسوف الكبير: أنه جرئ إلى أبعد حد، وصريح إلى أبعد حدود الصراحة، فإذا أبدى رأيا في يوم من الأيام، فهو رأي يؤمن به كل الإيمان، ويعتقد بصحته وصوابه إلى حد كبير..
وفي أثناء سياحته في بمباي بالهند كتب رسالة أوضح فيها رأيه في صلاحية الدين المحمدي لجميع الأمم في كل زمان ومكان، وأشاد بفضل هذا الرسول، وعظمته وعبقريته قائلا:
"لقد وضعت دائما دين محمد موضع الاعتبار السامي، بسبب حيويته العظيمة، فهو الدين الوحيد الذي يلوح في أنه حائز أهلية العيش لأطوار الحياة المختلفة، بحيث يستطيع أن يكون جذابا لكل زمان ومكان".
ثم استطرد يقول :"لا مشاحة فى أن العالم يعلق أهمية كبيرة على نبوءات كبار الرجال ،لقد تنبأت بأن دين محمد سيكون مقبولا لدى أوروبا فى الغد القريب ،وقد بدأ يكون مقبولا لديها اليوم ،ولقد صور أكليروس القرون الوسطى ،الاسلام بأحلك الألوان :إما بسبب الجهل ،أو بسبب التعصب الذميم.
ولقد كانوا فى الواقع يمرنون على كراهية محمد وكراهية دينه،وكانوا يعتبرونه خصما للمسيح.
ولقد درسته – باعتباره رجلا عظيما- فرأيته بعيدا عن مخاصمة المسيح بل يجب أن يُدعى : منقذ الإنسانية.
وإني لأعتقد أنه لو تولى رجل مثله حكم العالم الحديث، لنجح في حل مشكلاته، بطريقة تجلب إلى العالم السلام والسعادة اللذين هو في أشد الحاجة إليهما. ولقد أدرك في القرن التاسع عشر مفكرين مخلصون، أمثال كارلايل وجوته وجيبون، القيمة الذاتية لدين محمد صلى الله عليه وسلم.
وهكذا وُجد تحول حسن في موقف أوروبا من الإسلام، ولكن أوروبا- في القرن الراهن – تقدمت في هذا السبيل كثيرا. فبدأت تعشق عقيدة محمد، وفي القرون القادمة، قد تذهب أوروبا إلى أبعد من ذلك، فتعترف بفائدة هذه العقيدة في حل مشاكلها، بهذه الروح يجب أن تفهموا نبوءتي.
وفي الوقت الحاضر، دخل كثير من أبناء قومي من أهل أوروبا في دين محمد، حتى ليمكن أن يقال: إن تحول أوروبا إلى الإسلام، قد بدأ".
هكذا وصف أكبر كاتب انجليزي الإسلام ونبيه الكريم.
وهكذا شهد له أكبر فلاسفة أوروبا.
لقد سجل برنارد شو كلماته هذه، بعد بحث وتفكير وروية، وبعد أن عرف أن دين هذا النبي، وضع لكل مشكلة – اجتماعية واقتصادية – الحل المناسب لها الذي يصلح لكل زمان ومكان.
لقد سجل هذا الكاتب الكبير كلماته، بعد دراسة عميقة لقواعد هذا الدين وما فيه من آيات بينات، ولولا أنه درس هذا الموضوع دراسة عميقة وافية، لما قال:
"لقد بدأت أوروبا الآن، تتعشق الإسلام، ولن يمضي القرن الحادي والعشرون، حتى تكون أوروبا قد بدأت تستعين به في حل مشاكلها".
لقد نظر برنارد شو إلى العرب قبل الدعوة المحمدية، فوجدهم في فساد وفوضى، ووحشية وهمجية، وحرب وقتال دائم: يقتلون البنات، وينظرون إلى النساء نظرة احتقار وسخرية، ورآهم أشد الأمم تباهيا بالأنساب وتساميا بالآباء، فكانت كل قبيلة تزعم أنها الفريدة من مفاخرها، وقد غلوا في هذا الاتجاه، حتى جعلوا لإبلهم وخيولهم أنسابا يرفعونها بها على سائر الخيول والإبل، فما بالك بمن بعد عنهم من القبائل والشعوب، واختلف معهم في اللغة والتقاليد؟ ثم نظر إليهم بعد دعوة هذا النبي الكريم فوجدهم خلقا جديدا، لا فرق بين عربي وعجمي إلا بالتقوى والعمل الصالح ووجدهم في تقدم ورقي وحضارة: تمتد أطرافها في الشرق والغرب، ورأى كيف دانت لهم الممالك والأمصار في سهولة ويسر، وكيف رضيت به الشعوب على اختلاف أجناسها، وكيف ازدهرت العلوم وانتعشت الفنون على أيديهم، ورأى كيف أضحت المرأة إنسانا محترما: له ما للرجال من احترام وحقوق.
لقد درس برنارد شو أمة محمد صلى الله عليه وسلم، فوجدها قائمة على الأصول والمبادئ الأخلاقية، لا على الأمور المعيشية والمطالب المادية، كما هو الحال في المدينة الأوروبية، فرأى بذلك أول أمة في تاريخ العالم، قامت على مبادئ عالية، وقواعد سامية، وأسس روحانية.
لقد رآها أمة ديمقراطية بأوسع معاني الكلمة... رآها ديمقراطية؛ لأنها لم تعترف بالفروق الطائفية والامتيازات الاستقراطية، رآها لا تفرق بين ذكر وأنثى، وبين سيد ومولى، إلا بالخير والعمل الصالح المنتج... رآها أمة تؤمن بتكافؤ الفرص، تفتح الباب أمام العاملين من كل بيئة وجنس ولون؛ لكي ينال قصب السبق كل من سمت همته وعلت كفايته.
لقد درس برنارد شو أمة هذا النبي، فوجدها دستورية؛ لأن الحكومة قيدت فيها بكتاب إلهي: لا يأتيها الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وهذه أعظم صفات الأمم الدستورية، وقد حقق هذا الكتاب كل أغراض الحكومة الدستورية، فجعل الحكم شوريا، وحذف الامتيازات الفردية والطائفية والجنسية، ومحا الفوارق في الحقوق والواجبات بين مختلف الطبقات، وأخضع الجميع لمبادئ واحدة: لا فرق بين حاكم ومحكوم، وأبيض وأسود، وذكر وأنثى.
هذه هى الأمة التي قامت على الدعوة المحمدية.
ألا يحق لبرناردشو أن يصف هذا النبي بأنه منقذ الإنسانية؟
ألا يحق له بعد هذا كله أن يقول: "إنني أعتقد أن رجلا كمحمد، لو سلم زمام الحكم في العالم؛ بأجمعه؛ لتم له النجاح في حكمه؛ ولقاده إلى الخير، وحل مشكلاته على وجه يكفل السلام والطمأنينة والسعادة المنشودة".
درس برنارد شو الحياة الإسلامية، وأدرك أنها قائمة على التكافل والتضامن والتعاون بين الأفراد والشعوب، ورأى في ذلك سر النجاح.
فالمرأة والرجل متكافلان في الحياة الدنيا من نفس واحدة، بعضهما من بعض: يتمم كل منهما الآخر، وأساس الصلة بينهما المودة والرحمة، والرجال أنصاف تلتمس أنصافها الأخرى في كنف النساء، ومن تزوج، فقد عصم نصف دينه، وفي كل هذه المعاني يقول القرآن الكريم: ]وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً [وفي موضع آخر: ] مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [ النحل.
والغني والفقير، والعامل والمعمول: مكافؤن في هذه الحياة الدنيا، يشد بعضهم أزر بعض، ويتعاونون على البر والتقوى، فللفقير حق معلوم في مال الغني، وفي ذلك دعم للمجتمع أولا، والأسرة ثانيا، والدولة ثالثا، وأكبر الكبائر في الإسلام: أن يبيت الرجل شبعان وجاره جائع: وأجر العامل حق مكفول. ومن ظلمه إياه أو أخره عنه، فقد أثم إثما عظيما، وتعرض لعقاب الدنيا وخزي الآخرة، وعلى الفقير والعامل أن يصدقا وينصحا ويؤديا عملهما كاملا؛ فإن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه.
والحاكم والمحكوم متكافلان: على الحاكم العدل والمساواة والرعاية، وعلى المحكوم الطاعة والنصيحة والمعاونة. ] إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ [ النساء.
] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ[ النساء.
هكذا كان التكافل وحسن التعامل قوام الحياة الاجتماعية: التي جاء بها الإسلام الحنيف، فما فعلت المطامع والأهواء والنظم الأرضية المادية التي طلعت بها أوروبا على الناس يوم أن انتهت إليها قيادة البشرية؟ بدلت نعمة الله كفرا، وأحلت التنافر والتخاصم محل هذا التكافل والتعاون، وفشلت في تحقيق العدالة والإخاء والسلام على وجه الأرض.
ألا يحق بعد هذا كله: أن يسجل (برنارد شو) كلمته الخالدة وقوله: "وإني لأعتقد بأن لو تولى رجل مثله حكم العالم الحديث، لنجح في حل مشكلاته، بطريقة تجلب العالم السلام والسعادة والطمأنينة التي هو في أشد الحاجة إليها.