العودة للصفحة الرئيسية

الشيخ عبد الواحد يحيى:
هو العالم الفيلسوف الحكيم، الصوفي "رينيه جينو" الذي يدوي اسمه في أوروبا قاطبة، وفي أمريكا، والذي يعرفه كل هؤلاء الذين يتصلون بالدراسات الفلسفية والدينية.
وقد كان إسلامه ثورة كبرى هزت ضمائر الكثيرين من ذوي البصائر الطاهرة، فاقتدوا به، واعتنقوا الإسلام، وكونوا جماعات مؤمنة مخلصة، تعبد الله على يقين في معاقل الكاثوليكية في الغرب.
وكان سبب إسلامه بسيطا منطقيا في آن واد:
لقد أراد أن يعتصم بنص مقدس، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فلم يجد – بعد دراسة عميقة – سوى القرآن، فهو الكتاب الوحيد الذي لم ينله التحريف ولا التبديل، لأن الله تكفل بحفظه، وحفظه حقيقة: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون).
لم يجد سوى القرآن نصا مقدسا صحيحًا، فاعتصم به، وسار تحت لوائه، فغمره الأمن النفساني في رحاب الفرقان.
رينيه جينو: من الشخصيات التي أخذت مكانها في التاريخ، يضعه المسلمون بجوار الإمام الغزالي وأمثاله، ويضعه غير المسلمين بجوار أفلاطون، صاحب الأفلاطونية الحديثة، وأمثاله.
وإذا كان الشخص، في بيئتنا الحالية، لا يقدر التقدير الذي يستحقه إلا بعد وفاته، فهناك التقدير الإيجابي، فهناك هؤلاء الذين استجابوا لدعوة "رينيه جينو" فألفوا جمعيات في جميع العواصم الكبرى في العالم، وعلى الخصوص في سويسرا، وفي فرنسا. والمكونون لهذه الجمعيات احتذوا حذو "رينيه جينو" فاتخذوا الإسلام دينًا، والطهارة والإخلاص وطاعة الله، شعارًا ودينا.
ومن التقدير الإيجابي أيضًا، أن كتبه، برغم تحريم الكنيسة لقراءتها، قد انتشرت في جميع أرجاء العالم، وطبعت المرة بعد الأخرى، وترجم الكثير منها إلى جميع اللغات الحية الناهضة، ماعدا العربية للأسف الشديد.
نشأ رينيه جينو في فرنسا من أسرة كاثوليكية، ثرية محافظة، نشأ مرهف الحس، مرهف الشعور، مرهف الوجدان، متجهًا بطبيعته، إلى التفكير العميق والأبحاث الدقيقة، وهاله،حينما نضج تفكيره، ما عليه قومه من ضلال، فأخذ يبحث في جد عن الحقيقة، ولكن أين هى؟ أفي الشرق أم في الغرب، وهل هى فى السماء أو في الأرض؟
أين الحقيقة؟
سؤال وجهه "رينيه جينو" إلى نفسه كما وجهه من قبل إلى نفسه الإمام المحاسبي، والإمام الغزالي، والإمام محي الدين بن عربي، وتأتي فترة الشك والحيرة والألم الممض، ثم يأتي عون الله، وكان عون الله، بالنسبة إلى رينيه جينو أن بهرته أشعة الإسلام الخالدة، وغمره ضياؤه الباهر. فاعتنقه، وتسمى باسم الشيخ عبد الواحد يحيى، وأصبح جنديا من جنوده يدافع عنه، ويدعو إليه.
ومن أمثلة ذلك ما كتبه في كتابه "رمزية الصليب" تفنيدًا للفرية التي تقول: إن الإسلام انتشر بالسيف.. ومن أمثلة ذلك أيضا، ما كتبه في مجلة "كابيه دي سور" في عددها الخاص بالإسلام والغرب، دفاعا عن الروحانية الإسلامية. مبينا سمو التصوف الإسلامي وروعته، وقارن بينه وبين ما يسمونه بالتصوف المسيحي، أو "المستيسزم"، وانتهى بأن هذا "المستيسزم" لا يمكنه أن يبلغ ولا عن بعد، ما بلغه التصوف الإسلامي من سمو، ومن جلال.
على أن الشيخ عبد الواحد يحيي، لم يشد بالإسلام فحسب، وإنما أشاد في جميع كتبه وفي مواضع لا يأتي عليها الحصر بالشرق..
ولقد كتب الشيخ عبد الواحد مقالا مستفيضا بعنوان: "أثر الثقافة الإسلامية في الغرب" بيَّن فيه فضل الثقافة الإسلامية على أوروبا، يقول: بينما يعتبر الأوربيون أنفسهم الورثة المباشرين للمدنية اليونانية القديمة، فإن الحق يدحض زعمهم هذا: إذ أن الواقع المعروف من التاريخ نفسه، يثبت لنا أن علوم اليونان وفلسفتهم لم تنتقل إلى الأوربيين إلا بواسطة المسلمين، وبعبارة أخرى، لم تصل المخلفات العقلية لليونانيين إلى الغرب، إلا بعد أن درسها الشرق.
ولولا علماء الإسلام وفلاسفتهم لظل الغربيون جاهلين بتلك العلوم زمنا طويلا بل ربما لم يدركوها كلية. فإننا نلاحظ دليلا واضحا يثبت لنا انتقال المؤثرات الإسلامية في الغرب: وهو تلك الكلمات العربية الأصل والمنبت التي استعملت تقريبًا في كل اللغات الأوربية، بل مازالت تستعمل حتى وقتنا هذا، على أن معظم الغربيين الذين يستعملونها يجهلون حقيقة مصدرها كل الجهل.
وفي الحق أن تأثير الحضارة الإسلامية قد تناول لدرجة بعيدة وبشكل محسوس، كل العلوم والفنون والفلسفة وغير ذلك.
أما عن العلوم فمن السهل أن نفرق بين العلوم الطبيعية والعلوم الرياضية فأما عن الأولى فإنا نعلم علم اليقين أنها انتقلت بكلياتها وجزئياتها إلى أوروبا عن طريق الحضارة الإسلامية مصبوغة بالصبغة الإسلامية تماما. فالكيمياء احتفظت دائمًا باسمها العربي الذي يرجع أصله إلى مصر القديمة، والذي كان له معنى من أعمق المعاني التي لم يعرفها الكيميائيون الحديثون حقيقة.
ولنضرب مثلا آخر، ذلك علم الفلك فإن أكثر اصطلاحاته الخاصة ما تزال محتفظة في كل اللغات الأوروبية بأصلها العربي، كما أن كثيرًا من النجوم ما يزال علماء الفلك في كل الأمم يطلقون عليها أسماءها العربية.
أما من ناحية الاختراعات- وهى تابعة للعلوم الطبيعية – فقد انتقلت أيضًا بنفس الطريق أي بواسطة المسلمين. وما تزال قصة الساعة المائة التي أهداها الخليفة هارون الرشيد إلى الإمبراطور شارلمان عالقة بالأذهان ثابتة الوقائع.
أما الرياضيات فيجب أن نعيرها التفاتا خاصًا، وذلك لأهميتها في هذا البحث، فإن ميدانها الواسع لا نرى فيه علوم اليونان فحسب، بل نرى فيه أكبر الأثر للثقافة الإسلامية، مضافًا إليها علوم الهند أيضًا.
وإذا انتقلنا من بحث العلوم إلى بحث الفنون، فإننا نلاحظ أن كثيرًا من المعاني التي جادت بها قرائح الكتاب والشعراء المسلمين في الأدب والشعر، قد أخذت واستعملت في الأدب الغربي، بل أكثر من هذا فإن بعض كتاب الغرب وشعرائه قد قلدوا تمام التقليد بعض كتاب المسلمين وشعرائهم.
وكذلك نلاحظ أن أثر الثقافة الإسلامية واضح كل الوضوح وبصفة خاصة في فن البناء، وذلك في العصور الوسطى: فمن ذلك شكل القوس المعقود الذي صار متميزًا بنفسه حتى صار يدل على طريقة خاصة للبناء كان يستعمل فيها. وقد كان مصدره فن البناء الإسلامي ولو أن كثيرًا من النظريات الخيالية اخترعت لمخالفة هذه الحقيقة.
في هذه النظرة العجلى، ينبغي أن نذكر بصفة خاصة نوعًا آخر هو الفلسفة. فقد بلغ التأثير الإسلامي في القرون الوسطى مبلغًا عظيمًا لم يستطع أشد خصوم الشرق تعصبًا أن ينكر قوته، وهذا صحيح، فإن أوروبا لم يكن فيها من وسيلة أخرى لمعرفة الفلسفة اليونانية في ذلك الزمن، وذلك لأن التراجم اللاتينية لأفلاطون وأرسطو – وهي التي استعملت حينئذ- لم تنقل أو تترجم من الأصل اليوناني مباشرة، بل أخذت من الترجمة العربية السالفة وأضافوا إليها ما كتبه المعاصرون المسلمون في الفلسفة الإسلامية. ومن أولئك المعاصرين: ابن رشد، وابن سينا، وغيرهما.
وليس للغرب في وقتنا هذا يعرف شيء من أمثال تلك العلوم على حقيقتها، بل أكثر من هذا أن الغرب لا يعرف أيضا من المعارف الحقة كالتصوف، أو ما يماثله، شيئًا مطلقا. على أن هذه الحال لم تكن هى الحال فى القرون الوسطى.
هذا جزء من كل من أثر الثقافة الإسلامية في الغرب. ولكن الغربيين لا يريدون أن يعترفوا في وضوح لأنهم لا يريدون أن يعترفوا بفضل الشرق عليهم، ولكن الزمن كفيل بتبيان الحقائق التي يريدون إخفاءها".
وأثر الحضارة الإسلامية على أوروبا موضوع كتب فيه كثيرون من زوايا مختلفة، ونحب الآن أن نضيف إلى ما كتبه الشيخ عبد الواحد، رأي الأستاذ بريفولت. وقد أورده الدكتور محمد إقبال في كتابه بناء الإنسانية، وقدم له مقدمة تبين أن الإسلام دعا إلى التجربة والملاحظة والاستقراء، أي أنه دعا إلى المنهج العلمي الحديث فانتشر في ربوع الحضارة الإسلامية، ثم انتقل من حضارة الإسلام، غازيا أوروبا، فكان السبب في نهضتها ، ثم يقول :فالزعم بأن أوروبا هى التي استحدثت المنهج التجريبي، زعم خاطئ ، ومن أين استقى روجربيكون ما حصله فى العلوم؟ من الجامعات الإسلامية في الأندلس. والقسم الخامس من كتابه الذي خصصه للبحث في البصريات هو في حقيقة الأمر نسخة من كتاب المناظر لابن الهيثم. وكتاب بيكون، في جملته، شاهد ناطق على تأثره بابن حزم.