عبد الله بن أبي المنافق:
كان عبد الله بن أبي على وشك أن يصبح ملكاً على يثرب قبل الهجرة، وأفسدت الهجرة ما كان للرجل من أطماع، لذلك كان شديد الكراهية للرسول وللإسلام، ولكنه تظاهر بغير ما يُخفِى وادَّعَى الإسلام، وكان له ابن يسمى عبد الله، ولكن هذا كان صادق الإيمان.
وفى غزوة بنى المصطلق التى تحدثنا عنها آنفاً حدث حادثان أشعل هذا المنافق النار فيهما.
الحدث الأول: تخاصم على الماء أجير لعمر بن الخطاب مع حليف لأحد سادة الخزرج، وتعالت الخصومة وانقلبت إلى شجار واستصرخ حليف الخزرجي جماعة الخزرج، واستصرخ أجير عمر جماعة المهاجرين، ووُجد من يستجيب لهذه الصرخات المنبعثة من أخلاق الجاهلية، وأوشكت أن تحدث حرب بين المهاجرين والأنصار ولكن الرسول تدارك الأمر بحكمته وصرخ: هذه دعوى جاهلية كلُّنا مسلمون، ودعا إلى الرحيل، وكان عبد الله بن أبي شديد الحرص على إثارة الخلافات فأعلن: لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجَنَّ الأعزُّ منها الأذل، وقد حكى القرآن الكريم هذه الكلمات عنه (سورة المنافقون) وغضب الرسول لهذه الروح الشريرة ولكن عبد الله الابن جاء للرسول يقول له: إن كنت تريد عقوبة أبى بالقتل فمرنى بذلك وأقسم إننى سأحمل لك رأسه، ولكن الرسول قال له: لا، ونحتمله ما بقى معنا، وكان ذلك موقفا إنسانيا عاليا أرضى به الابن وحافظ على سلامة الدولة.
أما الحادث الثانى المتصل بهذه الغزوة، فهو حدث تعودتُ أن أُهمله ولا ألوث به كتاباتى عن السيرة النبوية، إنه "حديث الافك" فأنا أرفض أن أتحدث عن اتهام لسيدة فاضلة هى زوجة الرسول r وبنت أبى بكر الصديق أعز إنسان عند الرسول، وليس ذلك الموضوع فى تقديرى إلا محاولة للهجوم على أعظم شخصين عرفهما ذلك العهد هما محمد وصديقه الأول، ولكن القرآن الكريم أنصف السيدة الفاضلة، وهاجم زعيم المضلين عبد الله بن أُبي الذى حمل لواء هذه الفرية، قال تعالى: "إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ "(سورة النور11-12).
وظهرت إنسانية الرسول فى أعلى مظاهرها عندما صفح عن كل من افترى، واكتفى بحكم الله عليهم.
لقد كان عبد الله بن أبي منافقا من أول يوم دخل الرسول يثرب، وطال نفاقه وعداؤه للمسلمين، وظل يثير الشبهات والمتاعب طيلة عشر سنوات تقريبا فهو لم يمت إلا قبل شهور قليلة من وفاة الرسول.
ما كان أسمى هذه الجوانب الإنسانية في رسول الله r الذي احتمل كل هذا العناء من أجل نجاح الدعوة.
بقى أن أقول كلمة عن موقف الذين استشارهم الرسول فى أمر السيدة عائشة قبل أن ينزل القرآن الكريم، فيروى أن الرسول استشار بعض الصحابة وبعض زوجاته فى أمر السيدة عائشة وقد أبدى الجميع سخطهم على هذه الفرية، وكان مما قال عمر t : يا رسول الله إن الله هو الذى اختارها لك، والله لا يخدع نبيه.
ويهمنى أن أقف وقفة قصيرة مع ما يروى عما قاله الإمام علىّ كرَّم الله وجهه، فإنه لما رأى حزن الرسول وضيقه بهذا الحادث قال: النساء غيرها كثيرات.
واعتقادي أن حب علىّ للرسول هو الذى حعله يتناسى كل شيء وكل شخص حتى يخفف عنه الحزن والضيق، وقد كان حب الرسول لدى علىّ، ذلك الحب الذى لا يقف عند حد، هو الذى جعل عليا يبيت فى سريره ليلة الهجرة، وهو يعرف الخطر الذى يحدث لمن يبيت فى هذا السرير.
فلم يكن موقف علىّ عن شبهة، ولكن عن ارتباط بالرسول لا يعدله ارتباط بأي شخص آخر.