الجانب الإنساني تجاه الحيوان:
جانب الرحمة الإنسانية عند الرسول صلى الله عليه وسلم بالنسبة للإنسان والحيوان كان جانب سخياً زاخراً بالخير، وقد وضَّحه عليه الصلاة والسلام بقوله: إن لله مائة رحمة، أنزل منها رحمة واحدة بين الجن والإنس والبهائم والهوام، فبها يتعاطفون، وبها يتراحمون وبها تعطف الوحوش على أولا دها، وأخَّر تسعا وتسعين رحمة يرحم بها عباده يوم القيامة.
وهذا يوضح لنا أن ظاهرة الرحمة والإنسانية مطلوبة من الجميع لصالح الجميع، وإذا كان الحيوان بطبيعته لا يميز الخير من الشر، ولذلك فقد يرفس أو يؤذي لأنه غير مكلف، فإن الإنسان الذى وهبه الله العقل وجعل العقل مناط التكليف، هذا الإنسان ملتزم بإحياء الجانب الإنسانى وممارسته مع الإنسان والحيوان حتى مع الهوام التى يباح قتلها فهنا يجيء قول الرسول: إذا قتلتم فأحسنوا القتلة، فيجوز لنا أن نقتل حيواناً ضاراً أو فأراً.. ولكن بدون تعذيب.
ونستعيد هنا ما قلناه فى مطلع هذا البحث من أن الإنسانية التى نقصدها هنا هى أن يربى الإنسان نفسه ويعلم ذاته التعامل من كل شخص وكل شيء بالود والشهامة والرعاية إنسانا كان ذلك الذى يجرى التعامل معه أو حيواناً أو جماداً، فالمقصود هو الإنسان المُتعامِل وليس المُتعامَل معه.
وفى ضوء هذا الايضاح نسرد بعض أحداث مرتبطة بالرسول صلى الله عليه وسلم تبرز هذا الجانب الرفيع من حياته بالنسبة للحيوان والجماد.
عندما وصل محمد صلى الله عليه وسلم إلى سنِّ الصبا، نما معه الجانب الإنسانى، فقد رعى الغنم لعمه أبي طالب، وقد كان شديد الاهتمام بهذه الأغنام التى لا تشكو ولا تضجر، فكان يُعْنَى باختيار المرعى الخصب لها لتأكل، والماء الصافى لها لتشرب، وإذا مرضت شاة أو ولدت وجدت منه عناية خاصة، وبسبب ذلك الجانب الإنسانى فيه تكاثرت أغنام أبى طالب وسمنت حتى كان أصحاب الأغنام الأخرى يعرضون على أبى طالب أن يضم أغنامهم إلى أغنامه ليرعاها محمد، ومن أجل هذا أطلق على محمد لقب "الصادق الأمين"، فكانت الأمانة مظهراً من مظاهر رعاية الحيوان الأعجم، وبرز الصدق فى معاملاته التجارية حيث كان لا يُخْفِى عيباً فى السلع التى يعرضها، وكان يقنع بالربح القليل.
والصدق والأمانة كانتا سلوكاً فطرياً إنسانياً نشأ مع محمد من مطلع نشأته وبرزا فى كل أمر من أمور حياته.
وروى البخاري أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: دخلت امرأة النار فى هرة حبستها فلا هى أطعمتها وسقتها، ولا هى تركتها تأكل من خشاش الأرض (أي من حشراتها وما يوجد فى الأرض من بقايا الأطعمة).
فالرسول هنا ينبه على ضرورة الشفقة والرحمة بالحيوان، وقد تكون هناك امرأة أساءت للقطة فعلاً فلاقت حسابها لذلك، وقد تكون المسألة تعليماً من الرسول حتى لا نقع فى هذا التحجر الذى يؤذى مخلوقات الله سبحانه وتعالى.
وكما أن القسوة على الحيوان وإيذاءه تسبب النار، فإن العطف على الحيوان يسبب الخير للإنسان ويستوجب الثواب، فقد روى أن رجلا كان يمشى فاشتد به العطش، فوجد بئرا فنزل فيها وشرب، ولما خرج شاهد كلباً يلهث فتذكر ما يصيب الإنسان أو الحيوان من العطش فنزل البئر مرة أخرى وملأ خفه بالماء وسقى الكلب، فغفر الله ذنوبه.
وقيل للرسول: يا رسول الله، وأن لنا فى البهائم لأجرا؟
فأجاب: فى كل ذات كبد رطبة أجر (البخاري).
ومن هنا اتجهت الحسبة لعقوبة من يحمل على دابته حملاً فوق طاقتها ومن يستعمل الدابة وهى مريضة، ومن يسرف فى ضرب دابته.
وبعض الناس يركب دابته ثم يوقفها وهو راكب عليها ليحادث آخر، وقد نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن هذا التصرف بقوله: اركبوا هذه الدواب سالمة واتركوها سالمة، ولا تتخذوها كراسى لأحاديثكم فى الطرق والأسواق.
إنها قمة الإنسانية فى مثل هذه الأحداث.
وبعد، هذه دراسة سريعة عن الجانب الإنسانى عند الرسول صلى الله عليه وسلم نقدمها لنتعلم منها ونتخلق بها، فالجانب الإنساني عند المسلمين قد اختفى تقريبا، وأصبح الغالب على كل إنسان أنه يتجه بعنايته إلى نفسه وأطماعه ونسى التزاماته تجاه الآخرين، ونحن بهذه الدراسة ندق القلوب لتصحو ولتعود للسنة الرفيعة التي ثبَّتها عمليا رسول الإسلام صلوات الله وسلامه عليه، فإن تخلق بها المسلمون نجحوا فى حياتهم وانتصروا فى مواجهة أعدائهم هؤلاء الأعداء الذين ينتهزون فرصة غيبة المثل العليا عند المسلمين فيضربونهم فى مقتل، ويوم نعيد للحياة تراثنا ونتمسك بالقيم التى غرسها الرسول الكريم فينا يومئذ لن تقوى قوة من قوى الباطل والطغيان على مواجهتنا.