العودة للصفحة الرئيسية

الجانب الإنسانى للرسول مع أفراد أسرته:
كان الجانب الإنسانى واضحا تمام الوضوح فى علاقات الرسول بزوجاته وأولاده وأحفاده وخدمه، وكذلك بأصحابه، بل بأهل الكتاب وبالأشياء الجامدة التى كان للرسول صلة بها كالمرآة، وسنقص فيما يلى صوراً من هذه الجوانب:
كان للسيدة خديجة بعض الأقارب والصديقات، وكانت السيدة خديجة تقدم لهنَّ بعض الهدايا والمنح، ولمَّا تُوفيت ظلَّ الرسول محافظاً على ود هؤلاء فكان إذا ذبح ذبيحة يسرع فيرسل لأقارب السيدة خديجة وصديقاتها بعض الذبيحة ،وكان دائماً يذكر السيدة خديجة بخير ويترحم عليها حتى دبَّت الغيرة منها فى نفس السيدة عائشة مع أنها لم ترها، فقالت مرة للرسول: قد أبدلك الله خيراً منها، فقال: لا، ما أبدلني الله خيراً منها، لقد آمنت بى حين كفر الناس وأشركتنى فى مالها حين حرمنى الناس، ورزقنى الله منها الولد.
وكان الجانب الإنسانى فى الرسول بالنسبة لابنته السيدة فاطمة عظيماً جداً، فقد كان يسميها: أم أبيها وسيدة نساء العالمين فى زمانها، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يحبها ويكرمها ويسير لها من حين لآخر، وكان يداعب أولادها ويحملهم على ظهره حتى وقت الصلاة، ولكنه مع ذلك حرص على أن يعاملها كبقية سيدات المسلمين، فعندما أرادت خادما ليساعدها فى أمور البيت قال لها: اعملى عمل أهلك واخدمى بيتك فإن لك بهذا ثوابا، وكان يحب زينب بنته التى تكلمنا عنها من قبل ،ولما ماتت زينب تركت بنتاً اسمها أمامة، كان الرسول يداعبها، وأعطاها هدية ثمينة جاءت له من ظفار بجنوب الجزيرة.
أما جانبه الإنسانى مع أصدقائه فيتحدث عنه خادمه أنس بقوله: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتفقد أصحابه حتى لا يحسب أحد منهم أن غيره أكرم منه عند رسول الله، وإذا جلس إلى أصحابه صبر حتى ينصرفوا عنه، وكان يقبل دعوة من دعاه إلى داره، ويقبل الهدية ويثيب عليها، ويزور أصحابه ويعرف أحوالهم، ويعود مرضاهم، ويلاعب صبيانهم، وكان إذا التقم أحد أذنه ليُسرَّ له بشيء صبر له، ولم ينحِّ عنه رأسه حتى يرسلها صاحبه، وكان ينادي الناس بأحب أسمائهم إليهم، ويكنِّيهم تكريماً لهم، ولا يقطع على أحد منهم حديثه حتى ينتهى منه، وما خصَّ نفسه بشيء دونهم.
وإذا جئنا إلى الجانب الإنسانى تجاه الخدم والعبيد رأينا نموذجاً رائعاً للمعاملة يتعامل به رسول الله مع خدمه، ويعلم أصحابه أن يتعاملوا به مع خدمهم:
فقد كان الجانب الإنسانى واضحاً فى معاملته لزيد ابن حارثة الذى كان مملوكا للسيدة خديجة وأهدته لمحمد قبل البعثة، ويتضح لنا سمو هذا الجانب من موقف زيد عندما جاء أبوه وعمه ليأخذاه ويدفعا فدية له، فقال الرسول: الأمر فى هذا لزيد، فإن أراد أن يذهب معكما فله ذلك ولا فداء نأخذه عنه، وجاء زيد فتعرف على أبيه وعمه وقال له الرسول صلوات الله عليه وسلم: لك الخيار يا زيد تبقى معي أو تعود لأسرتك فانطلق زيد يقول: ما كنت لأختار عليك أحدا،فقال له أبوه:أتفضل الرق على الحرية يا زيد؟ فأجابه زيد: ما أحسست برق مع محمد ولا أقوى على فراقه، وأعتقه الرسول عقب ذلك وتبنَّاه وكان التبنى لم يُحرَّم فى الإسلام آنذاك، وقد سبق أن روينا هذه القصة من قبل.
ويروى أن أبا ذر الغفارى سبَّ خادماً له، وسمعه الرسول فقال له: أنت أمرؤ فيك جاهلية هم أخوانكم وخولكم.
ويروي أن أحد السادة كان يناقش عبداً له في أمر، فاحتدَّ السيد وصاح بالعبد: يا ابن السوداء، فالتفت إليه المعلم العظيم وألقى فى وجهه بتعبير غاية فى الاستنكار قال عليه الصلاة والسلام: طفَّ الصاع طفَّ الصاع، ليس لابن البيضاء على ابن السوداء فضل إلا بعمل صالح.
وقد أدرك السيد مدى الخطأ الذى وقع فيه، فهوى من استعلائه بسرعة ووضع خده على الأرض وقال للعبد: قم فضع رجلك على خدى وحرر العبد تكفيراً عن نسيانه للجانب الإنسانى.
واستكمالاً للحديث عن الرقيق وموقف الإسلام منه نذكر أن الرقيق فى الإسلام  حرٌّ فى تدينه وعواطفه، فهو يتبع الدين الذى يريده، ويحب ويكره حسب رأيه وليس لسيده أن يرغمه على شيء من ذلك، فالرق يكون فى الجسم فقط وبشروط دقيقة هى أن يحسن طعامه وألا يثقل عليه من العمل ويروى عن أبى بكر قوله: من جوَّع عبده أعتقناه.
ولم يقف الجانب الإنسانى لدى الرسول عند المسلمين، بل امتدَّ إلى أهل الكتاب، فكان يقبل دعوتهم، ويحسن استقبالهم، وقد فرش عباءته لنصارى نجران فجلسوا عليها، وكان يزور مرضاهم ويشيع جنازاتهم.
وامتد الجانب الإنسانى عند الرسول فشمل الأشياء الجامدة التى لا تعى ولا تتحرك، فكان يدلل قصعته ويسميها "الغراء" وكان يسمى مرآته "المدِلة" وكان ذلك امتدادا لتسميته لناقته بالقصواء.