اليهود من بني النضير:
يرصد التاريخ أن المسلمين مروا بأزمة اقتصادية فى مطلع العام الهجرى الرابع، وتبعا للمعاهدة التى وقعها المسلمون مع يهود المدينة ومع العرب غير المسلمين بها يتحتم أن يتم تعاون اقتصادى بين الجميع عند الضرورة، فرأى الرسول أن يلجأ لبني النضير وكانت أحوالهم الاقتصادية منتعشة، ويطلب منهم بعض العون، فذهب إلى حيِّهم ومعه بعض أصحابه وقدَّم لهم طلبه، فقالوا: نعم يا أبا القاسم نعينك على ما استعنت بنا عليه، وطلبوا منه الجلوس بجانب بيت ريثما يجمعون له المال، وجلس الرسول وذهب هؤلاء يتناجون.
قال واحد منهم: والله لن تجدوا محمدا على مثل حاله تلك لنتخلص منه. واستحب الباقون هذا الاتجاه.
وقال شيطان آخر منهم: مَن يستطيع أن يعلو فوق المنزل الذى يجلس محمد بجواره ويلقى عليه حجرا ثقيلا، فقال عمرو بن جحاش لعنه الله: أنا لذلك.
وصعد عمرو لتنفيذ هذه المؤامرة وتظاهر الباقون بالسعى لجمع المال.
وأوحى الله تعالى لرسوله بمؤامرة القوم وطلب منه مغادرة المكان.
وعاد الرسول وبقى أصحابه، وفى منطقة المسلمين سأله المسلمون: ماذا جرى حول طلب المال من بني النضير؟ وأين الصحابة الذين كانوا مرافقين لك؟ فقصَّ الرسول عليهم القصة.
ولم يستطع المسلمون وهم فى معركة دائرة مع قريش أن يكون هناك عدو لا أمان له فى مدينتهم، فاستعد المسلمون لقتالهم وهيئوا أنفسهم للمواجهة، ولكن الله ألقى الرعب فى قلوب بني النضير، فطلبوا أن يخرجوا من يثرب بما حملت الإبل إلا السلاح وتغلَّب جانب الإنسانية على الرسول كما فعل من قبل مع بنى قينقاع، وترك هؤلاء يخرجون، وكان خروجهم خطرا على المسلمين لأنهم انضموا إلى خبير وأخذوا مكان الرياسة فيهم، وهاجموا المدينة فى العام التالي (الخامس) بعد أن أثاروا قريشا وقبائل عربية أخرى ضد المسلمين، ويلاحظ أن خروجهم من المدينة أعطى لهم حرية الحركة بدون مراقبة من المسلمين، إذ كان اليهود فى المدينة يخضعون للمراقبة، ولكن الجانب الإنسانى عند الرسول صلى الله عليه وسلم تغلب على التفكير فى المستقبل، فخرجوا وأشعلوا نار ما يسمى بغزوة الخندق التي كانت غزوة محفوفة بالأخطار.