إنسانية محمد تنتقل إلى أبى بكر:
وكان محمد r شديد التأثير فيمن حوله لإحساسهم بصدق دعوته وسمو نفسه، وكان أبو بكر أكثر الصحابة صلة بالرسول وتأسِّياً به، وتظهر لنا قصة الإنسانية عن أبى بكر من موقفه من بلال بن رباح وكان رباح عبداً مملوكاً لخلف بن وهب، وزوَّجه خلف جارية حبشية اسمها حمامة، فولدت له "بلالا" ومات رباح ومات خلف وحلَّ أمية بن خلف محل أبيه سيداً فى قومه ومالكاً لبلال، وسمع بلال بالدين الجديد، وما يقدمه للبشرية من مبادئ تُسوى بين الناس جميعا فتاقت نفسه أن يدخل هذا الدين، وسعى لمحمد وأسلم على يديه.
ولمَّا عرف أمية خبر إسلام عبده ثار وتوعده، وكان يخرج به إلى البادية باحثا عن حجر ملتهب من حرارة الشمس، فيخلع عن بلال ملابسه ويضعه على الحجر فى الهجيرة، يتوعده باستمرار ذلك حتى يعود لدين سيده.
ونقف هنا وقفة قصيرة لنذكر ما رُوى أن الله سبحانه يوقف إحساس الجلد آنذاك كما يوقف الإحساس عند الحيوان حين ذبحه فلا يحس بالذبح، وتكون حركة السكين كأنها تدغدغ الحيوان أو الطائر وتداعبه ولكن أمية بن خلف لا يعرف هذا المعنى، وربما لم يقنع بالصخرة التى وضع فوقها بلال،فيحضر صخرة أخرى ملتهبة يضعها فوق بلال ،ويرفع بلال صوته بقوله: أحد أحد، لا يخاف وعيد سيده ولا تحذيره.
ويروى أن أبا بكر الصديق رضى الله عنه رأى بلالا وهو على هذه الحال فصاح بأمية : ألا تحس بالظلم وأنت تعذب هذا الغلام؟ ويجيب أمية : أنه عبدى أفعل به ما أشاء.ويعاود أبو بكر تحذيره من عقاب الله إن استمر فى هذا التعذيب ويجدها أمية فرصة فيصيح بأبى بكر: ادفع لى ثمنه وخذه لترحمه، أما أنا فلا أوقف عذابه حتى يعود لديننا.
وبالغ أمية فى تقدير الثمن عندما أحس أن أبا بكر حريص على شراء بلال، ويبرز الجانب الإنسانى فى أبى بكر ويقبل أن يدفع الثمن الذى حدده أمية وإن كان مبالغاً فيه.
وانتقلت ملكية بلال إلى أبي بكر، ولكن هذا سرعان ما أعتقه لوجه الله لينعم بالحرية فى ظل الدين الجديد.
وعرفت قريش خبر هذه الصفقة فكان الواحد منهم يبالغ فى تعذيب عبده لِيَفِدَ أبو بكر بإنسانيته ليشترى العبيد ويعتقهم، وقد اعتق أبو بكر بلالاً وأمه حمامة، وأعتق عامر بن فهيرة وأعتق خمساً من النساء، ويقال إنه نزلت فيه الآية الكريمة: "وسيجنبها الأتقى الذى يؤتى ماله يتزكى، وما لأحد عنده من نعمة تجزى إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى، ولسوف يرضى" (سورة الليل).
وكان لسان حال أبي بكر يقول: إننى أربح أضعاف ما أدفع عندما أتسبب فى رفع العذاب عن عبد مسكين، وعندما أعيد الحرية للعبيد