إنسانية محمد تنتقل لغير المسلمين:
على أن فيض الجانب الإنسانى عند الرسول r لم يتوقف عند أصحابه من المسلمين، ولكن هذا الخلق النبيل سرى في كثير من قريش الذين لم يكونوا قد دخلوا الإسلام بعد، وقد حدث ذلك حينما دبَّرت قريش أن تقاطع بني هاشم وبني المطلب، وتتركهم فى شعب أبي طالب بين جبلين، وكتبوا بذلك صحيفة وعلقوها بأستار الكعبة وتواصت قريش ألا يزوجوا بنى هاشم وبنى المطلب من آَمَن منهم ومن لم يؤمن، فَكُلُهم يُساعِدُون مُحمداً، ولا يتزوجوا منهم، ولا يبيعوا لهم ولا يشتروا منهم، ولا يكلموهم، وظلوا على هذه الحال حوالي ثلاث سنوات، وقد عانى بنو هاشم وبنو المطلب من ذلك عناء شديداً ومسَّهم الضُّر بما فى ذلك النساء والأطفال، وكان أبو لهب يوصى التجار بعدم البيع لهؤلاء، وأن يرفعوا الأسعار حتى لا يستطيع سكان الشِّعب أن يحصلوا على السلع اللازمة لهم، وكان يعد أن يشترى كل السلع الت لدى التجار بالأثمان التى يحددونها، واشتد البلاء على المقيمين بالشِّعب، وضعفت صحتهم وبخاصة أولئك الذين كانوا يعيشون فى رخاء مثل السيدة خديجة وعثمان بن عفان والعباس عم الرسول.
وفى وسط هذه وسط هذه الضائقة بدأت الإنسانية التى كان الرسول مصدرها، والتى انسابت للصحابة، بدأت تأخذ طريقها عند بعض الزعامات الوثنية، فالأخلاق الطيبة يمكن أن تنساب إلى بعض النفوس التى بها بقية من صفاء.
وهكذا ظهر بين المشركين جماعة أخذوا يتلاومون ويتساءلون: كيف يطيب لنا أن نعيش فى رغد وترف وهؤلاء جياع بالقرب منا وعملت القرابة عملها، فزهير بن أمية المخزومى وهو أحد قادة قريش الذين وافقوا على الصحيفة، زهير هذا هو ابن عاتكة بنت عبد المطلب عمة الرسول r وحكيم بن حزام هو ابن أخى السيدة خديجة.
واجتمع على نقض الصحيفة زهير بن أمية والمطعم بن عدي وأبو البختري بن هشام وزمعة بن الأسود وضعفت قريش بأعدادها الغفيرة عن الوقوف فى وجه هؤلاء الذين حركهم الجانب الإنسانى، ومُزِّقت الصحيفة