العودة للصفحة الرئيسية

المشاهــدة
يقول الله تعالى:
﴿ ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى (8) فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى ﴾ .
ويقول الحديث الشريف: ودنا الجبار رب العزة فتدلى فكان منه قاب قوسين أو أدنى.
ويقول الإمام ابن حجر:
وقد أخرج الأموى فى مغازيه ومن طريق البيهقى عن محمد بن عمرو، وعن أبى سلمة عن ابن عباس فى قوله تعالى:
﴿ وَلَقَدْ رَآَهُ نَزْلَةً أُخْرَى ﴾ .
قال: دنا منه ربه.
يقول الإمام ابن حجر: وهذا سندٌ حسن وهو شاهدٌ قوى لرواية شريك، ويكون المعنى على غرار "ينزل ربنا".
بعد ذلك نسأل:
هل رأى محمد e ربه؟
هل شاهد الجلال والجمال؟
نقول أولاً: إن الإمام الصاوي ذكر بمناسبة تفسير قوله تعالى:
﴿ وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ (164) وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ (165) وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ (166) ﴾ .
إن هذه الآيات حكاية عن اعتراف الملائكة بالعبودية رداً على عَبَدَتِهم، والمعنى: ليس منا أحد إلا له مقام معلوم فى المعرفة، والعبادة، وامتثال ما يأمرنا الله تعالى به.
قال ابن عباس: ما فى السموات موضع شبر إلا وعليه مَلَك يُصَلِى وَيُسَبِح. ثم يقول:
قيل إن هذه الآيات الثلاث نزلت ورسول الله e ، عند سدرة المنتهى، فتأخر جبريل فقال النبي e :
أهنا تفارقني؟
فقال جبريل: ما أستطيع أن أتقدم من مكانى هذا.
وأنزل الله تعالى حكاية عن الملائكة:
﴿ وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ ﴾ .
ووقف جبريل واقتر محمد e .
ويذكر الإمام الصاوي في قوله تعالى:
﴿ مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى ﴾ أن محمداً e ، رأى ربه مرتين: مرة فى مبادئ البعثة، ومرة فى ليلة الإسراء، واختلف فى تلك الرؤية. فقيل رآه بعينه حقيقة، وهو قول جمهور الصحابة، والتابعين، منهم ابن عباس، وأنس بن مالك والحسن وغيرهم .
وقيل لم يره بعينه، وهو قول عائشة رضى الله عنها.
والصحيح الأول، لأن المثبت مقدم على النافي، أو لأن عائشة لم يبلغها حديث الرؤية لكونها كانت حديثة السن.
لقد ذهب غير واحد فى قوله تعالى:
﴿ ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى (8) فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى (9) فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى (10)﴾ .
إلى أنه فى أمر العروج إلى الجناب الأقدس ودنوه سبحانه منه e ، ورؤيته عليه السلام، إياه جل وعلا، فالضمائر في "دنا وتدلى" و"كان" و"أوحى" وكذا الضمير المنصوب فى "رآه" لله عز وجل.
ويشهد لهذا ما فى حديث أنس عن البخارى من طريق شريك بن عبد الله:
ثم علا به فوق ذلك بما لا يعلمه إلا الله حتى جاء سدرة المنتهى، ودنا الجبار رب العزة فتدلى، حتى كان منه قاب قوسين أو أدنى، فأولى إليه فيما أوحى خمسين صلاة. (الحديث) فإنه ظاهر فيما ذكر.
واستدل بذلك مثبتو الرؤية كحبر الأمة ابن عباس رضي الله عنهما وغيره.
والظاهرأن ابن عباس لم يقل بالرؤية إلا عن سماعها، وقد أخرج عند أحمد أنه قال:
قال رسول الله e:
"رأيت ربي".
ذكره الشيخ محمد الصالحى الشاملى تلميذ الحافظ السيوطى فى الآيات البينات وصححه.
ثم إن القائلين بالرؤية اختلفوا، فمنهم من قال: إنه عليه الصلاة والسلام رأى ربه سبحانه بعينه، وروى ذلك ابن مردويه عن ابن عباس، وهو مروى أيضاً عن ابن مسعود، وأبى هريرة، وأحمد ابن حنبل.
ومنهم من قال: رآه عز وجل بقلبه، وروى ذلك عن أبى ذر.
وعن جعفر الصادق عليه الرضا أنه قال: لمَّا قَرُبَ الحبيب غاية القرب نالته غاية الهيبة فلاطفه الحق سبحانه بغاية اللطف لأنه لا تتحمل غاية الهيبة إلا بغاية اللطف، وذلك قوله تعالى:
﴿ فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى ﴾.
أى كان ما كان، وجرى ما جرى، قال الحبيب للحبيب ما يقول الحبيب لحبيبه، وتلطف به تلطف الحبيب بحيبيه، وأسر إليه ما يسر الحبيب إلى حبيبه فأخفيا ولم يطلعا على سرهما أحداً.
ومعظم الصوفية على هذا: فيقولون بدنو الله عز وجل من النبي e ، ودنوه سبحانه على الوجه اللائق.
وكذا يقولون بالرؤية كذلك.
وقال بعضهم في قوله تعالى:
﴿ مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى ﴾ ما زاغ بصر النبي e . وما التفت إلى الجنة وزخرفاتها، ولا إلى الجحيم وزفراتها، بل كان شاخصاً إلى الحق (وما طغى) عن الصراط المستقيم.
وقال أبو حفص السهروردي: ما زاغ البصر حيث لم يتخلف عن البصيرة ولم يتقاصر (وما طغى) لم يسبق البصيرة ويتعدى مقامه.
ونحن نقول كما يقول الإمام الألوسي في صراحة لا لبس فيها:
"أنا أقول برؤيته e ربه سبحانه، وبدنوه منه سبحانه على الوجه اللائق، والله تعالى الموفق".
إن كلمة "على الوجه اللائق" تفض كل نزاع، والله أعلم.