قصتان
ونختم هذا الموضع بذكر قصتين يتبين منهما أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) لم يكن جبارا ولا قاسيا، وإنما كان بارا رحيماً، وصدق الله العظيم إذ يقول: ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ ﴾ التوبة.
القصة الأولى : زواجه من عمرة الكلابية
عمرة بنت زيد بن عبيد بن رواس بن كلاب، تزوجها (صلى الله عليه وسلم) في ذي القعدة من السنة الثامنة للهجرة. وعندما خيَّرها كما قال سبحانه: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً (28) وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَالآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْراً عَظِيماً ﴾الأحزاب.
اختارت الدنيا وقومها ،ففارقها وذهبت إلى قومها،فَرُئِيَت وهى تلتقط البعر "روث الإبل"وتقول:أنا الشقية. وإنما ذكرنا ذلك لنقف أمام هذه العظمة المحمدية ،لقد كان بحق روؤفا رحيما ،وكان منهجه كما يقول القرآن:"من اهتدى فإنما يهتدى لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها" الإسراء.
القصة الثانية :أسماء
أسماء بنت النعمان بن أبي الجونس بن الأسود بن الحارث. قال والدها النعمان بن أبي الجون: يا رسول الله، ألا أزوجك أجمل أيمٍ في العرب كانت تحت ابن عم لها فتوفي عنها فتأيمت ورغبت فيك وتطلعت إليك. فتزوجها(صلى الله عليه وسلم) على اثنتي عشرة أوقية.فقال : يا رسول الله، لا تقصر في المهر. فقال (صلى الله عليه وسلم) :" ما أصدقت أحدا من نسائي فوق ذلك". فقال النعمان: ففيك الآسي. ثم طلب النعمان من رسول الله أن يبعث معه من يحمل ابنته إلى الرسول حيث يتم الزواج، فبعث الرسول (صلى الله عليه وسلم) أبا أسيد الساعدي، فلما وصلت إلى المدينة ودخل عليها(صلى الله عليه وسلم) رفعت وجهها وقالت :أعوذ بالله منك. فرجع عنها (صلى الله عليه وسلم) وقال لها:" لقد استعذت بمعاذٍ أمين عائذ الله". ثم أمر بردِّها .فلما اقتربت من أهلها تصايحوا وقالوا :إنك لغير مباركة .
وهذا مثل آخر نضعه أمام من يتطاولون على النبي (صلى الله عليه وسلم) فإنه لم يقتنصها ولم يهنها، وإنما ردَّها معززة مكرمة، مع أنها أساءت التعبير في بيته.إنه مثلٌ يدل على حسن الخلق الذي كان يتمتع به الرسول(صلى الله عليه وسلم) . وهو الذي وضع لنا دستوراً ومنهجاً لمعاملة النساء معاملة كريمة. ويقول فيما روى عنه:" ما أكرم النساء إلا كريم وما أهانهن إلا لئيم".
صلوات الله وسلامه عليك يا سيدي يا رسول الله، يا مثلنا الأعلى، وقدوتنا إلى الله ورضوان الله على أمهات المؤمنين الصالحات اللائي حرمهن الله على المؤمنين زواجاً من بعدك يا رسول الله لتكتمل له منزلة الاعتزاز والتقدير.
ولقد حدث أن عُيينة بن حصن الفزارى دخل على النبي (صلى الله عليه وسلم) بغير إذن وعنده عائشة، فقال:" فأين الاستئذان؟"، فقال : يا رسول الله،ما استأذنت على رجل من مُضَرٍ منذ أدركت . ثم قال: مَن هذه الحميراء إلى جنبك.فقال :" هذه عائشة أم المؤمنين ". فلما خرج قالت عائشة: من هذا ؟قال:"هذا أحمق مطاع، وأنت على ما ترين سيد قومه".. وصدق الله إذ يقول : ﴿ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلاَ أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِندَ اللَّهِ عَظِيماً ﴾الأحزاب. وقد نزلت هذه الآية في رجل كان قد تكلم بأنه يرغب في زواج بعض نساء النبي.
فسبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيد الأولين ، وعلى أنبياء الله والمرسلين.