الملك جبريل يأتيه عند غار حراء وبداية الوحي
كان يجلس في غار حراء يوما، حين فوجئ بجبريل يقف علي باب الغار.. احتضنه الملك وضمه إلي صدره بشدة وهو يأمره قائلا: (اقرأ)..
قال محمد بن عبد الله: ما أنا بقارئ..
يريد أن يقول إنه لا يعرف القراءة ولا الكتابة.. كيف يقرأ إذن؟
عاد الملك يضمه لصدره ضما شديدا حتي ظن الرسول أنه الموت، ثم أطلقه الروح الأمين وهو يأمره: (اقرأ)..
وعاد يرد قائلا: ما أنا بقارئ...
ويعود الملك الكريم لا حتضانه ويعود لأمره أن اقرأ..
ويجيب مرتجفا: ماذا أقرأ..
وتلا جبريل، عليه السلام، أول آيات في آخر رسالات السماء إلي الأرض:
(اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ {1} خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ {2} اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ {3} الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ {4} عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ)...سورة العلق
بعدها اختفي الروح الأمين كما ظهر فجأة.. أحس الرسول نفس الخوف الذي أحسه موسي وهو يستمع إلي النداء الأقدس في وادي طوي.. ومثلما جري موسي فزعا، هرع محمد بن عبد الله عائدا إلي بيته.. هبط إلي الصحراء، وسار عائدا إلي بيته وزوجته..
جسده يرتجف بعنف.. وثمة إحساس بالبرد والخوف والقلق.. أيكون هذا اتصالا بالجن وعالم الكهانة؟.. أيكون قد خولط فصار يسمع أصواتا ويري وجوها لا وجود لها في الحقيقة...؟ خشي الرسول علي نفسه لبغضه للكهانة والكهان... ودخل بيته يرتجف..
قال لزوجته: زملوني... زملوني..
وبدأت تغطيه بأغطية الصوف وتمسح العرق عن جبينه.. فوجئت زوجته بشحوب وجهه وارتعاشه.. سألها: أي خديجة، ما لي...؟
ثم حدثها الخبر.. وأنهي كلامه بقوله لقد خشيت علي نفسي...
وأدركت خديجة أنها أمام أمر هائل.. أمام بشارة لا تدري كنهها علي وجه التحديد.. بشارة ليس فيها ما يستوجب خوفه علي نفسه أو قلقه علي عقله.. قالت خديجة ردا علي تخوفه:
أَبْشِر.. فوالله لا يخزيك الله أبدا. إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين علي نوائب الحق...
رغم هذه الكلمات المطمئنة، لم يزايل الرسول قلقه.. وانطلقت به خديجة إلي ورقة بن نوفل.. وهو ابن عمها.. وكان قد تنصر في الجاهلية، وكان يكتب الكتاب العبراني، ويعرف أوراق التوراة والإنجيل.. وكان بصره قد ذهب لشيخوخته...
قالت له خديجة: أي ابن عم.... اسمع من ابن أخيك..
قال ورقة: يا بن أخي ما تري؟
قص عليه الرسول، صلي الله عليه وسلم، قصته كاملة..
قال ورقة وهو الناموس الذي أنزله الله علي موسي.. ياليتني فيها جذع..
أدرك ورقة بن نوفل- كعالم- أنه أمام النبي الذي بشرت به التوراة والإنجيل..
عاد يقول بعد لحظة صمت: ياليتني أكون حيا إذ يخرجك قومك.
تساءل الرسول: أَوَمُخرِجي هم؟
قال: نعم، لم يأت رجل بمثل ما جئت به إلا عودي.. وإن يدركني يومك أنصرك نصراً مؤزراً...
انتهي الأمر وبدأ بعث الإسلام.. نفذت مشيئة الله تعالي، وتم اختيار آخر أنبياء الله في الأرض، وأول المسلمين..
لا نعرف نبيا احتمل الإيذاء وصبر في الله كما احتمل نبينا. وفي حالتنا لم يكن ممكنا لمن أرسله الله رحمة للعالمين، أن يدعو علي إنسان إلا أن يكون هذا الإنسان من الكافرين العتاة..
كان يدعو لمن يستحق الدعوة..
ويحتمل حتي يئن الاحتمال. ويصبر حتى يعجز الصبر.. ويقاوم حتي تهلك المقاومة، بعدها يرفع إلي الله قلبا راضيا، وعينا دامعة، ويهمس: إن لم يكن بك علي غضب فلا أبالي. يهون كل شيء إلي جوار رضاه سبحانه.