اخفاق التعذيب والاضطهاد في حصر الدعوة الاسلامية
أخفق التعذيب والاضطهاد في حصر الدعوة الإسلامية.
وحين ذهب المعذبون يشكون لرسول الله ما يلقونه من العذاب، أفهمهم بمنطق شديد الوضوح أن علي الدعاة أن يدفعوا راحتهم وأمنهم ودماءهم ثمنا لانتشار دعوتهم.
ليست الحرية بلا ثمن..
وتاريخ الحياة حافل بدماء كثيرة دفعتها الشعوب لمقاومة أعدائها في الخارج والداخل.
ولئن كان هذا شأن من يطالب بحرية قوم في زمان ومكان محددين، فما شأن من يطالب بحرية الجنس الإنساني كله؟ إن المسلم ينبغي أن يضع في اعتباره أنه يتعرض، بمجرد إعلان دعوته، للمؤامرات والتشريد والاضطهاد والسجن والمطاردة والحصار والاغتيال.
هذا هو ثمن انتشار الدعوة. وهذا هو ثمن الحرية.. وهو ثمن يدفعه أهل الباطل أحيانا بالرضا، فكيف يتردد أهل الحق في أدائه؟
والأصل في الإنسان أنه محكوم بغريزة البقاء.. محكوم بغريزة الخوف من العذاب والموت.. ولعل أخطر ما يميز المسلمين الحقيقيين هو تحررهم من غريزة الخوف وحب البقاء.. هذا هو المعيار الذي لا يخطيء لتمييز المسلم الحقيقي، من المسلم بالاسم أو الوراثة أو الادعاء. يعلم المسلم الحقيقي أن الآجال بيد الله. والأرزاق بيد الله. والأمن بيد الله والقوة بيد الله.. وبهذا الإيمان يبدأ صراعه لنشر دعوته.. ويتسعذب الألم في الله، ويدفع بدمائه ثمن حرية الآخرين. يفعل هذا كله ببساطة تخلو من الخوف، يحرره الإسلام من الخوف. وقديما كان الطغاة ينشرون رجال الله بالمناشير وهم أحياء.
ذهب خباب بن الأرت إلي رسول الله صلي الله عليه وسلم مستنجدا به من اضطهاد قريش. قال: ألا تستنصر لنا؟ ألا تدعو لنا؟
قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: قد كان من قبلكم يؤخذ الرجل فيحفر له في الأرض فيجعل فيها، ثم يؤتي بالمنشار، فيوضع علي رأسه فيجعل نصفين.. ما يصده ذلك عن دينه. والله ليتمن الله تعالي هذا الأمر، ولكنكم تستعجلون.
بهذه الكلمات الصابرة الشجاعة.. أفهم الرسول من جاء يستنجد به أن من تمام الإيمان دفع ثمن الحرية.
ولقد بدا واضحا أن الإسلام لم يكن يقدم لمن يدخلون فيه مكاسب من أي نوع.
لم يكن السؤال الذي يطرحه المسلمون الأوائل يقول: ماذا نكسب من وراء هذه العقيدة؟ علي العكس من ذلك.. كانوا يسألون: ماذا ندفع للإسلام؟
وكان الجواب: كل شيء. ابتداء من لقمة الخبز إلي الدم المسفوك.
لقد دفع المسلمون الأوائل كل شيء. وخامرهم اطمئنان هادئ لنصر الله، وملأتهم ثقة عميقة بغلبة ما جاءوا به من الحق، وكانوا يعلنون أنهم سيغلبون ملوك كسري وقيصر، وأنهم سيصيرون بدعوتهم سادة الأرض.
واستغل المستهزئون هذه الثقة في سخريتهم وضحكهم.. كان الأسود بن المطلب وجلساؤه إذا رأوا أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام، يتغامزون ويقولون: قد جاءكم ملوك الأرض الذين سيغلبون- غدا- ملوك كسري وقيصر.. ثم يصفرون ويصفقون.. وتجاوز المؤمنون هذه السخرية. واستطالت السخرية إلي منع المسلمين من إعلان دعوتهم.