العودة للصفحة الرئيسية

إيذاء المشركين للرسول وأتباعه
واستمر إيذاء المشركين للرسول وأتباعه وانتقل مجال المعركة من الكلمات المتحدية الهازلة، إلي تعذيب أتباع الرسول وقتلهم.
وتصور أعداء الإسلام يومها أن تشديد الخناق علي المسلمين، سيجعلهم يفلتون دعوتهم، أو يكفون عن اعتناقها، إيثارا للسلامة، أو يتهافتون في نشرها علي أقل تقدير، وفوجئ السادة والملأ من قوم مكة بأن الضغط يزيد الدعوة رسوخا، وأن التعذيب لم يزحزح أحدا عن موقفه.
ولقد كان يقين المسلمين الذي زرعه الرسول فيهم، أنهم يحملون رسالة من الله إلي العالم، رسالة تعيد إلي العالم رشده الذي فقده، وإنسانيته التي ضاعت منه، وكرامته التي أهدرت، وحريته التي صودرت.. وكان يقين المسلمين أنهم لا يبنون وطنا صغيرا في مكة ولا يحاولون إصلاح مجتمع فاسد هو مجتمع الجزيرة العربية، وإنما كانوا يدركون أنهم ينشئون الإنسان من جديد.. ينشئون الإنسان كما ينبغي أن يكون الإنسان.. ويقدمون للدنيا أول صورة مجردة لعظمة الخالق وجلاله.
وقبل الإسلام.. كان العرب لا شيء.. كانوا بمقياس الحضارات القديمة والحديثة لا شيء. لم يقدموا إلي العالم علما أو فنا أو أثرا له قيمته.. فلما نزل الإسلام عليهم، صاروا هداة البشرية.. وسادتها وعلماءها بالحق.. وأخذ عنهم الغرب ما يريده لتقدمه، وظل يزحزحهم عن الإسلام حتي عاد الإسلام إلي الكتب، ولم يعد له وجوده الحي المؤثر في الناس، بعدها صار سهلا علي الغرب أن يحكم المسلمين بما أخذه منهم من العلم.. وأن يسوقهم قطعانا مدهوشة إلي حظائر منتجاته واكتشافاته، وهي أشياء كان ينبغي أن تكون من اكتشافهم وإنتاجهم، لو أدركوا معني الإسلام وحرصوا علي إحيائه.
وفي الأيام الأولي للإسلام.. أدرك المسلمون أنهم يواجهون حربا لن تتوقف طالما بقيت الحياة وبقي فيها الصراع.. ولهذا توهجوا بالإيمان كلما ازداد العذاب، واستمسكوا بالحق كلما اشتد اضطهاد قريش.
وعذبت مكة عمار بن ياسر.. أحد العبيد الذين كانوا ضحية للنظام الاقتصادي السائد في العالم يومها، وهو اقتصاد كان يقوم علي نظام العبيد.. عذبت مكة هذا الذي آمن أنه لن يحصل علي حريته الحقيقية إلا بالإسلام. وكانوا يخرجونه إلي الصحراء ويعذبونه وزوجته، واشتد العذاب علي زوجته يوما لتكفر، فلما ظلت علي إيمانها وأغلظت القول لأبي جهل، طعنها بِحَرية كانت في يديه.. فماتت.. وقدم الإسلام أول شهدائه..
كانت امرأة تدعي "سمية".. زوجة عمار بن ياسر.
لم تكن في عرف المجتمع امرأة حرة.. كانت زوجة لعبد.. واقتضت مشيئة الله تبارك وتعالي أن تكرم السماء دم العبيد قبل دم الأحرار بالشهادة.
ولقد تحدث الجهلاء كثيرا عن رضاء الاسلام بنظام العبيد. أو سكوته عليه أو قبوله إياه، وأغفلوا أن الإسلام كمبدأ يحرر العبيد جميعا، ويخرجهم من ملكية الناس إلي ملكية الله.
وإذا كان الإسلام لم ينزل بنصوص مفصلة مباشرة لتحريم نظام العبيد، فقد كانت أسسه العامة ومبادئه الأساسية تجفف- فعلا لا قولا- منابع هذا النظام.. ولقد علم صاحب الدعوة الإسلامية- جل جلاله- أن نظام العبيد نظام اقتصادي مؤقت سيتغير مع الوقت.. وما كان الإسلام لم ينزل لهذا الوقت الذي نزل فيه فحسب، وإنما نزل عاما شاملا لكل الأزمنة القادمة، فقد تجاوز الإسلام هذه الصورة المؤقتة من صور الاستغلال، إلي الأصل المنشئ لصور الاستغلال وأشكاله، فحرمها.. وبهذا الأسلوب حرم الإسلام نظام العبيد تدريجيا، مثلما حرم الخمر علي مراحل.. ولقد كانت جدية الإسلام هي المسئول الأول عن تحريمه للمحرمات علي مراحل، فالطبيعة البشرية لا تتغير في يوم، والنظم الاقتصادية لا تتحول بقرار.
ولئن قيل لنا إن الإسلام أباح لجنوده استرقاق أسري الحروب، فسوف نقول إن الإسلام كان يطبق هنا مبدأ المعاملة بالمثل.. كان أعداء الإسلام يسترقون المسلمين حين يأسرونهم، فكان طبيعيا أن يسترق المسلمون أسراهم من المشركين، ولو فعل الإسلام غير هذا لكان أقرب إلي اللهو.. ولسقطت هيبته كنظام جاد، ولطمع فيه الطامعون وهم كثير.