زوجات الرسول
ومضت حياة النبي صراعا لا يتوقف، ومشقة لا تدع له وقتا للراحة...
لم ينج بيته ولا خلت حياته الخاصة من المشقة..
تزوج النبي، صلي الله عليه وسلم من تسع زوجات، وقد كان زواجه من تسع خصوصية اختص بها وحده، صلي الله عليه وسلم، لأسباب تتصل بالدعوة الإسلامية، وهي دعوة أباحت لمعتنقيها الزواج من أربع، بشرط العدل، وأمرت بالاقتصار علي زوجة واحدة إذا خاف المسلم عدم العدل.. وقد أساء كثير من المستشرقين وأعداء الإسلام إلي النبي، وكانت الثغرة التي نفذوا منها أو ظنوا أنهم نفذوا منها هي زواجه من تسع..
ولقد تمت أكثر تلك الزيجات لأسباب سياسية أو إنسانية تتصل بالدعوة الإسلامية..
والمعروف من سيرة النبي أنه تزوج بالسيدة "خديجة" وهو في الخامسة والعشرين من عمره.. وكانت هي في سن الأربعين، وظل مقتصرا عليها وحدها حتي وصل عمرها إلي الخامسة والستين.. وماتت وهو صلي الله عليه وسلم فوق الخمسين.
تزوجها قبل أن يبعث بالإسلام، وظل وفيا لها حتي ماتت وهو نبي.. غير أن أعباء النبوة، ومشقة الجهاد، ورأفته بالناس، وتضحياته للإسلام، وأمر الله تعالي، اضطره هذا كله للزواج بعدها بأكثر من واحدة حتي بلغ عدد زوجاته تسعا..
كان زواجه من "عائشة" – علي صغر سنها – ارتباطا بأبي بكر .. فقد كانت ابنته..
وكان زواجه من "حفصة" -رغم قلة وسامتها- ارتباطا بعمر ،فقد كانت ابنته..
تزوج من "أم سلمة" أرملة قائده الذي استشهد في سبيل الله وعانت معه امرأته ما عانت في الهجرة إلي الحبشة، والهجرة إلي المدينة، فلما مات عنها زوجها وتركها وحيدة تواجه عواصف الحياة، ضمها النبي إلي بيت النبوة..
وكان زواجه من "سودة" إكراما لقيم إسلامها وكبرها وعزوفها عن الرجال ووحدتها أمام الحياة..
وكان زواجه من "زينب بنت جحش"، امتحانا قاسيا له، وقد جاء الأمر بزواجها، من الله عز وجل، لتحريم عادة كانت شائعة في الجاهلية، وهي عادة التبني..
إن زينب من قريبات الرسول، صلي الله عليه وسلم هي إذن من بني هاشم، وهي تعتز بنسبها اعتزازا يدعوها إلي رفض الزواج من زيد بن حارثة، وهو مولي النبي الذي أعتقه وألحقه بنسبه وتبناه فصار يدعي زيد بن محمد..
غير أنها تنزل علي رأي النبي وأمر الله فتتزوج من زيد..
(وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَي اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا)..سورة الأحزاب
كان واضحا منذ البداية أن هذا الزواج سيتحطم.. لم تكن زينب تحب زيدا، ولم يكن زيد رجلا يطيق الحياة مع امرأة قلبها منصرف عنه.. وجاء زيد يشكو للنبي ويطلب الإذن بطلاق زوجته.. وأوحي الله إلي رسوله أن يدع زيدا يطلقها ويتزوجها هو.. وأحس النبي بالحرح الهائل وحدث زيدا أن يستمر ويحتمل.. تصور ما سيقوله الناس عنه من أنه تزوج امرأة ابنه، غير أن ما خشيه النبي هو مايريد الله إبطاله.. ليس زيد ابنه، لا وجود لنظام التبني في الإسلام، وإذن فليطلق زيد وليتزوج النبي لإثبات ما يريد الإسلام إثباته.. وليتحمل رسول الله علي نفسه ما سيقوله الناس عنه، فليست هذه أول تضحية ولا أخر تضحية يقدمها للإسلام، قال تعالي في ذلك:
(وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفي في نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَي النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَي زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَي الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ في أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا)..سورة الأحزاب
كانت الظروف التي أحاطت بزواجه، صلي الله عليه وسلم، تجعل من هذا الزواج بعض ما كلف الرسول بحمله من سياسة الأفراد والجماعات، وبعض ما كلف بتحقيقه من إقامة الخير والرحمة، واحترام القيم الرفيعة، وضمها لبيت النبوة..
أسلمت "أم حبيبة بنت أبي سفيان بن حرب"، سيد قريش وقائدها في حرب الإسلام، وهاجرت مع زوجها إلي الحبشة، وعرفت الغربة والوحشة والخوف في الله، ثم مات عنها زوجها وتركها وحيدة تواجه الحياة، وكان موقفها النبيل من الإسلام، والوقوف ضد أبيها، هو القيمة التي حملت رسول الله صلي الله عليه وسلم، علي ضمها لبيت النبوة..
ولقد دخل أبو سفيان عليها يوما وهي زوجة لرسول الله، صلي الله عليه وسلم..
وأراد أن يجلس علي فراش النبي، فحملت أم حبيبة الفراش بعيدا عنه.. وسألها أبوها: أرغبت بي عن الفراش، أم رغبت به عني...؟
قالت بشجاعة: هذا فراش رسول الله صلي الله عليه وسلم.. وأنت مشرك فلا تلمسه.
أما "صفية بنت حيي"، فكان أبوها ملك اليهود..
أما "جويرية بنت الحارث"، فكان أبوها زعيم قبيلة بني المصطلق.. وقد انتهت حرب اليهود وبني المصطلق بالهزيمة، ووقعت ابنتا الملك والزعيم في الأسر، وكان زواج النبي منهما جبرا لخاطر المنهزمين، ودعوة إلي أن يحسن المسلمون معاملتهم.. وقد حدث ما أراده النبي، فقد رفض المسلمون استرقاق أصهار النبي، وهكذا عادت الحرية إلي قبيلة بني المصطلق. وكان النبي بتصرفاته يريد أن يكتشف العمق الإنساني في حروبه، ويشير للمسلمين إلي الأخوة الإنسانية، وأن الحرب في ذاتها ليست مطلبا، هي دفاع عن الإسلام، والإسلام في عمقه البعيد رحمة وحب.. وإذن يتزوج النبي من بنات المهزومين المسترقين كي ترتد الحرية والكرامة لأهلهم، ويدخلوا الإسلام إن أرادوا عن اقتناع..
جاء زواجه من "مريم القبطية" وقد بعث بها المقوقس إليه كأمة، رمزا للود الذي أشار إليه القرآن بين الإسلام والمسيحية، وتشريعا للمسلمين بحل الزواج من كتابيات.. وقد أنجبت له مريم ابنا سماه إبراهيم، باسم جده أبي الأنبياء، غير أنه لم يعمر طويلا، مات وهو رضيع.. وكان موته امتحانا للنبي، وإشارة إلهية إلي أن ورثة الرسول من الرجال هم أتباع القرآن وحملة الإسلام لا الأبناء من صلبه..