تآمر يهود بني النضير علي رسول الله وانتصاره عليهم
وفى هذه الظروف، تحركت يهود لاغتيال رسول الله. ذهب إلى بنى النضير لشأن من شئون الحياة، فأظهروا الرضا لما يقوله، وأجلسوه في ظل حصن من حصونهم، وتآمروا عليه، وقرروا إلقاء صخرة ثقيلة فوقه وهو لا يتوقع شرا.. وألهم الله رسوله الخطر، فنهض قبل نفاذ الكيد وانصرف مسرعا إلي بيته.. كان يفكر وهو عائد في همومه الجديدة..
لن يوقف هذا الغدر غير عنف عسكري سريع من الإسلام، يسترد به هيبته، ويرد عنه الأيدي التي تقتل في الظلام وتصطاد أرواح رجال الله غيلة. وأرسل الرسول إلي بني النضير بأمرهم أن يخرجوا من المدينة، وأجلهم رسول الله عشرة أيام، واتحد منافقو المدينة مع اليهود واتفقوا علي قتال الإسلام معا. وقاتل الإسلام وانهزم اليهود، نزلوا علي حكم الإسلام الذي أجلاهم عن ديارهم، ونزلت سورة الحشر تصف طرد اليهود وتكشف موقف المنافقين. بعد هذا النصر العسكري الحاسم، خرج النبي صلي الله عليه وسلم ليثأر لأصحابه القراء، ويعيد هيبة الدعوة الإسلامية، واستطاعت هذه الانتصارات العسكرية أن تمزج حياة الغادرين من الأعراب بالرعب، وكان يكفي أن تشي الرياح باسم المسلمين حتي يتحول ذئاب الصحراء السابقين إلي فئران مذعورة تختفي في رءوس الجبال. وتسامعت قريش بنشاط المسلمين العسكري، فانسحب جيش قريش وهو يقترب من "الظهران"، وعسكر المسلمون في بدر ينتظرون اللقاء الذي اتفق عليه في أحد وأوقد المسلمون النار ثمانية أيام تحديا وانتظارا، حتي إذا انصرفوا، كانت سمعتهم قد برئت تماما من غبار معركة أحد.
والتفت المسلمون إلي شمالي الجزيرة بعد تأكيد مهابتهم في الجنوب. وكانت القبائل حول "دوامة الجندل" قريبا من الشام تقطع الطريق هناك، وتنهب من يمر بها، وبلغت جرأتها حدا فكرت معه في غزو المدينة، ولهذا خرج النبي صلي الله عليه وسلم في ألف من المسلمين، يختفي بهم نهارا ويسير بهم ليلا، حتي وصلوا بعد خمس عشرة ليلة إلي مضارب خصومهم، فاجتاحوها. وفوجئ الجيش الذي كان يتصور أنه سيغزو المدينة، ولم يدر في خلده قط أن المدينة هي التي ستنتقل إليه في مكانه.
ولسوف نحس أن جهاز المعلومات في جيش رسول الله كان متفوقا، كما كان أسلوب الدفاع متفوقا، ولقد كان هذا الهجوم الخاطف هو أعظم أساليب الدفاع أمنا، كما أن عنصر المفاجأة كان يعني قدرة الجيش الإسلامي علي الاستتار والمباغتة.
ومضت أيام الصراع العسكري.. لا يكاد النبي يضع درعه ويعاود بناء نفوس المسلمين، حتي تضطره الحياة إلي ارتداء درعه والعودة إلي القتال.