العودة للصفحة الرئيسية
التنبؤ برسالة محمد قبل أن يرسل
روى عن عامر بن ربيعة قال لى زيد بن عمرو بن نفيل : أنا أنتظر نبياً من ولد إسماعيل عليه السلام ، من بنى عبد المطلب ، ولا أرانى أدركه ، وأنا أومن به ، وأصدقه، وأشهد أنه نبى ، فإن طالت بك – ياعامر – مدة ، ورأيته فأقرئه منى السلام ، وسأخبرك ما نعته (صفته) ، حتى لايخفى عليك.
أوصاف الرسول:
قال : هو رجل ليس بالقصير ولا بالطويل ، ولا بكثير الشعر ولا بقليله، لاتفارق عينيه حُمرة ، بين كتفيه خاتم النبوة ، واسمه أحمد . وهذا البلد مولده ومبعثه ، ثم يُخرِجه قومه منها ،ويكرهون ما جاء به،حتى يهاجر إلى يثرب (المدينة) ،فيها يظهر أمره . وإياك أن تخدع عنه ، فإني طفت البلاد كلها أطلب دين إبراهيم عليه السلام ، فكل من سألت من اليهود والنصارى وجميع الطوائف يقولون لى : هذا الدين وراءك ، وينعتونه لى مثل نعته لك ويقولون : لم يبق نبى غيره .
قال عامر بن ربيعة : فلما أسلمت أخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم قول زيد بن عمرو بن نفيل ، وأقرأته منه السلام ، فرد عليه صلى الله عليه وسلم السلام ، وترحم عليه ، وقال : قد رأيته فى الجنة يسحب أذياله.
سيف بن ذى يزن يتنبأ بالرسول :
ومن الأخبار التى تنبأت برسالة المصطفى عند ولادته خبر سيف بن ذى يزن ملك حمير باليمن ، فقد أتاه - بعد مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم – وفود العرب وأشرافها ، وشعراؤها ليهنئوه بانتصاره على الأحباش . وأتاه للغرض نفسه وفد قريش ، وفيهم عبد المطلب بن هاشم جد الرسول وأمية ابن عند شمس ، وخويلد بن أسد أبو السيدة خديجة – فى عدد من وجوه قريش وأهل مكة . فأتوه بصنعاء عاصمة ملكه، وهو فى قصر له يقال له (غُمْدَان) قصر باليمن، فاستأذنوا عليه ، فأذن لهم ، فدخلوا عليه،وهو متضمح بالعبير (أى متلطخ بالرائحة الطيبة) وعليه بردان (ثياب) أخضران قد اتزَّر (لبس) بأحدهما وارتدى بالآخر ، وسيفه بين يديه وعلى يمينه ويساره الأمراء وأبناء الأمراء.
فاستأذن عبد المطلب فى الكلام – وكان أجلَّ القوم قدراً ، وأعظمهم خطراً ، وأعلاهم نسباً ، وأكرمهم حسبا. ولم يكن سيف بن ذى يزن يعرفه ، فقال : إن كنت ممن يتكلمون بين يدى الملوك فقد أذنَّا لك.
فقال : عبد المطلب : " أيها الملك ! إن الله – عزوجل – قد أحلك محلاً رفيعاً ، صعباً منيعاً(قويا عزيزا) ، شامخاً باذخاً ، وأنبتك نباتاً طابت أرومته(أصله) وعزت جرثومته (قوى أصله) ، وثبت أصله ، وبسق فرعه (ارتفع) ، فى أكرم معدن ، وأطيب موطن ، وأنت – أبيت اللعن - ! رأس العرب ، وربيعها الذى به تخصب ، وعمودها الذى عليه العماد وَمَعْقِلُهَا(ملجؤها) الذى إليه يلجأ العباد. سَلَفك خير سَلَف، وأنت منهم خير خلف ، ولن يخمل(يكون ساقطا لا نباهة له) ذكر من أنت سلفه.
أيها الملك! نحن أهل حرم الله وَسَدَنَةُ بيته (خادمى الكعبة)،أشخصنا إليك الذى أبهجنا بك ، فنحن وفد التهنئة ، لا وفد المَرْزِئَة (أى وفد التعزية فى المصيبة) "
فقال : وأيهم انت أيها المتكلم؟
قال : أنا عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف.
قال : ابن أختنا ؟
قال : نعم.
قال الملك : أدن . فأدناه ، ثم أقبل عليه وعلى القوم ، فقال : " مرحباً وأهلاً! وناقة ورحلا! ومناخاً سهلاً ! ومُلْكاً ونحلاًً! يعطى عطاءً جزلا.
قد سمع الملك مقالتكم ، وعرف قرابتكم ، وقبل وسيلتكم ، لكم الكرامة ما أقمتم ، والحِبَاءَ إذا ظَعَنْتُم أى العطايا إذا سافرتم"
ثم نهضوا إلى دار الضيافة ، فأقاموا بها شهراً ، لايصلون إليه ، وعليهم الجرايات والصِّلات (العطايا).
ثم أرسل إلى عبد المطلب ، وأخلى مجلسه ، وقربه ، وقال له : يا عبد المطلب ، إنى مفيض عليك من سر علمى أمراً لا أبوح به لغيرك ، ولكنى وجدتك معدنه ، فأطلعتك طلعه (أطلعتك على سره) ، فليكن عندك مطويا ، حتى يأذن الله فيه ، فإن الله بالغ فيه أمره .إنى أجد فى الكتاب المكنون (المستور) والعلم المخزون ، الذى اخترناه وتحققناه ، وحجبناه دون غيره ضنًّا به (بخلا به) وشحاً عليه – خبراً جسيماً ، ونبأ كريماً ، وخطراً عظيماً ، فيه شرف الحياة وفضل الوفاة ،للناس عامة ، ولرهطك (لقومك) كافة ولك خاصة"
قال : أيها الملك : مثلك سِرٌ وَبِرٌّ ، فما هو؟ فداؤك أهل المدَرِ (أهل القرى) والوفود زُمَراً بعد زمَرٍ!
قال : إذا ولد بتهامة ، غلام به علامة ، كانت له الإمامة ، ولكم الزعامة ، إلى يوم القيامة.
قال عبد المطلب : أَبيتَ اللَّعْن! لقد أُبْتُ (رجعت) منك بخير ما آبَ به وافد قوم لولا هيبة الملك لسألته أن يخبرني بإفصاح ،فقد أوضح لى بعض الإيضاح .
قال: هذا حينه الذي يولد فيه ، أو قد ولد اسمه محمد ، بين كتفيه شامه يموت أبوه وأمه، ويكفله جده وعمه ، قد ولد سرارا( سرا) ، والله باعثه جهارا، وجاعل له منا أنصارا ، يُعِزُ به أولياؤه، ويُذل بهم أعداءه ويستبيح كرائم الأرض ، ويضرب بهم الناس عن عَرض ، يعبد الرحمن ، وَيُدْحِضُ (يبطل ) الشيطان ، ويكسر الأوثان ، ويُخْمِدُ النيران ، قوله فصل ، وحُكْمُهُ عدل يأمر بالمعروف ويفعله ، وينهى عن المنكر ويُبْطله "
فخرَّ عبد المطلب ساجداً
فقال له: ارفع رأسك . ثَلِجَ صَدْرُكْ (اطمأنَّت نفسك) ، وعلا كعبك !
فهل أحسست من علمه شيئاً ؟
قال : نعم أيها الملك ، كان لى ابن ، وكنت به معجباً ، فزوجته كريمة من كرائم قومه ، آمنة بنت وهب ، بن عبد مناف بن زهرة ، فجاءت بغلام سميته محمداً ، مات أبوه وأمه ، وكفلته أنا وعمه بين كتفيه شامة ، وفيه كل ما ذكرت من علامة.
قال له الملك : والبيت ذى الحُجُب (أى السِّتر) ، إنك يا عبد المطلب لجده غير الكذب ، وإن الذى قلت لك لكما قلت . فاحتفظ بإبنك ، واحذر عليه اليهود ، فإنهم له أعداء ، ولن يجعل لله لهم سبيلا ، واطو (اخفى) ما ذكرت لك عن هؤلاء الرهط (القوم) الذين معك ، إنى لست آمن أن تدخلهم النفاسة (المنافسة) من أن تكون لهم الرياسة ، فيبغون لك الغوائل وينصبون لك الحبائل (أى يكيدون لك) وهم فاعلون وأبناؤهم ولولا أن الموت مجتاحى قبل مبعثه لسرت بخيلى ورجلى حتى أجىء يثرب دار مملكته . وإنى لأجد فى الكتاب الناطق والعلم السابق ، والخبر الصادق أن بيثرب أستحكام أمره، وأهل نصرته ، وموضع قبره . ولولا أنى أقيه الآفات ، وأحذر عليه العاهات ، لأوطأت سنان العرب كعبه ، ولأعليت على صغر سنه – ذكره ، ولكنى صارف ذلك إليك ، على غير تقصير بمن معك"
ثم ارسل لكل واحد منهم بمائة من الإبل ، وعشرة أعبد وعش إماء ، وعشرة أرطال ذهباً ، وعشرة أرطال فضة ، وكَرِش عنبر. وأمر لعبد المطلب بعشرة أمثال ما أمر لهم. وقال له : ائتنى بخبره ، وما يكون من أمره عند رأس الحول أى (العام).
فما حال الحول حتى مات سيف بن ذى يزن .فكان عبد المطلب يقول لأصحابه : " لايغبطنى رجل منكم بجزيل عطاء الملك ، فإنه إلى نفاد لكن الغبطة بما يبقى لى ولعقبى شرفه وذكره وفخره".
فإذل قيل له : ما ذلك ؟ يقول : سيُعلم ولو بعد حين.
سليمان الفارسى يتنبأ بالرسول قبل أن يبعث
كان سلمان الفارسى مسيحيا متدينا ، مولعاً بالبحث عن الدين الحق، طول حياته ، متصلا بكثير من علماء الدين المعروفين بالصلاح والطهارة والتمسك بالدين ، من الأحبار والرهبان ، وقد علم من كثرة بحوثه وأسئلته أنه سيبعث بأرض العرب نبى فيه علامات لا تخفى ، وهى ثلاث : يأكل الهدية ، ولا يأكل الصدقة ، وبين كتفيه خاتم النبوة . وقد عاش بعمورية (بلدة بالروم) ما شاء الله أن يعيش . وذات يوم مرَّ به نفر من التجار، فقال لهم:احملونى إلى أرض العرب ، وأعطيكم بُقيراتى هذه، وغنيمتى هذه فقالوا نعم.
فأعطاهم ، فحملوه معهم ، حتى إذا مابلغوا وادى القرى(فى الجنوب الشرقى من أرض مدين القريبة من خليج العقبة) ظلموه ،فباعوه إلى رجل يهودى . فمكث عنده ، حتى قدم على اليهودى ابن عم له من بنى قريظة من المدينة (قبيلة من يهود خيبر)، فابتاع (اشترى) سلمان منه ، وحمله معه إلى المدينة ، فأقام بها.
قال سليمان : " وَبُعث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأقام بمكة ما أقام لا أسمع له بذكر، ما أنا فيه من شغل الرق ثم هاجر ( الرسول إلى المدينة ).
ولما وصل الرسول إلى قُباء (بجوار المدينة) احتال سلمان الفارسي ، حتى جمع شيئاً مما كان لديه ـ ثم ذهب إلى المصطفى عليه الصلاة والسلام ، ومعه ما جمعه .
قال سليمان " فدخلت عليه ، فقلت له إنه قد بلغنى أنك رجل صالح ، ومعك أصحاب لك غرباء ذوو حاجة ، وهذا شىء كان عندى للصدقة ، فرأيتكم أحق به من غيركم ، فقربته إليكم "
فقال الرسول لأصحابه : " كلوا " وأمسك يده فلم يأكل . فقلت فى نفسى : هذه واحدة : . ثم انصرفت عنه فجمعت شيئاً ، وتحول رسول الله إلى المدينة، ثم جئته به فقلت : إنى قد رأيتك لا تأكل الصدقة ، وهذه هدية أكرمتك بها " فأكل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأمر أصحابه فأكلوا معه . فقلت فى نفسى : هاتان اثنتان"
ثم جئت رسول الله وهو بالبقيع قد تبعت جنازة رجل من أصحابه ، وعلى شملتان لى ، وهو جالس فى أصحابه فسلمت عليه ، ثم استدرت أنظر إلى ظهره : هل أرى الخاتم الذي وصفه لى صاحبى . فلما رآنى رسول الله استدبر، ثم عرف أنى أستثبت فى شىء ، فألقى رداءه عن ظهره ، فنظرت إلى الخاتم ،فعرفته ، فأكببت عليه أقبله ، وأبكى . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تحول . فجلست بين يديه فقصصت عليه حديثى ، فأعجب رسول الله ان يسمع ذلك أصحابه .
عبدالله بن سلام زعيم اليهود يشهد بنبوة محمد :
روى البخارى فى صحيحه قال : أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ، فقالوا جاء نبى الله ، فاستشرفوا ينظرون ، إذ سمع به عبد الله ابن سلام ... فجاء ... ، فسمع من نبى الله صلى الله عليه وسلم ، ثم رجع إلى أهله ، فلما خلا نبى الله صلى الله عليه وسلم جاء عبد الله بن سلام فقال : أشهد أنك نبى الله حقا ، وأنك جئت بالحق . ولقد علمت اليهود أنى سيدهم وابن سيدهم ، وأعلمهم وابن أعلمهم ، فادعهم ، فاسألهم عنى قبل أن يعلموا أنى قد أسلمت ، فإنهم إن يعلموا أنى أسلمت قالوا ما ليس فى "
فأرسل نبى الله صلى الله عليه وسلم إليهم ، فدخلوا عليه ، فقال لهم نبى الله صلى الله عليه وسلم : يامعشر اليهود ! ويلكم ! اتقوا الله فوالله الذى لا إله إلا هو إنكم لتعلمون أنى رسول الله حقاً ، وأنى جئتكم بحق . أسلموا "
قالوا : " مانعلمه " فأعادها عليهم ثلاثا، وهم يجيبونه كذلك "
قال : "فأي رجل فيكم عبد الله بن سلام ؟ "
قالوا : " ذاك سيدنا وأبن سيدنا ، وأعلمنا وابن أعلمنا
قال : " أفرأيتم إن أسلم ؟ " ؟
قالوا : " حاش لله ، ما كان ليسلم "
فقال " يا ابن سلام ! اخرج عليه " فخرج إليهم ، قال يامعشر اليهود! ويلكم ! اتقوا الله ، فوالله الذى لا إله إلا هو إنكم لتعلمون أنه رسول الله حقا ، وأنه جاء بالحق"
فقالوا : "كذبت "
فأخرجهم النبى صلى الله عليه وسلم .
وفى رواية أخرى : فجاءت اليهود إليه ( أى إلى النبى) فقال : أى رجل فيكم عبد الله بن سلام؟
قالوا : خيرنا وابن خيرنا ، وسيدنا وابن سيدنا "
قال( النبى ) : أرأيتم إن أسلم عبد الله بن سلام ؟ "
قالوا:أعاذه الله من ذلك
فخرج عبدالله فقال:"أشهد أن لا إله إلا الله ،وأشهد أن محمدا رسول الله"
قالو : " شَرُّنَا وابن شَرِّنَا " انتقصوه
قال : هذا الذي كنت أخاف يا رسول الله "
وهذا كله يدل على أن أخبار اليهود كانوا يعرفون النبى حق المعرفة كما يعرفون أبناءهم ، وأن فريقاً منهم كانوا يكتمون الحق خوفا من زوال ثروتهم ، أو ذهاب نفوذهم .
عن أبى هريرة رضى الله عنه قال " أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت المدارس ، فقال : أخرجوا إلى أعلمكم "
فقالوا : عبد الله بن صوريا . فخلا به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فناشده بدينه ، وبما أنعم الله عليهم ، وأطعمهم من المن والسلوى وظللهم من الغمام:أتعلم أنى رسول الله ؟
قال : اللهم نعم ، وإن القوم يعرفون ما أعرف ، وإن صفتك ونعتك لَمُبَيَنٌ فى التوراة ولكن حسدوك "
قال (رسول ) : فما يمنعك أنت ؟
قال : " أكره خلاف قومى ، عسى أن يتبعوك ويسلموا فأسلم "
وقال ابن إسحق :
" وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم – وهو بمكة عشرون رجلا، أو قريبا من ذلك ، من النصارى حين بلغهم خبره من الحبشة . فوجدوه فى المسجد ، فجلسوا إليه فكلموه ، وقبُالتهم (أى جلسوا تجاهه) رجال من قريش فى أنديتهم حول الكعبة.فلما فرغوا من مساءلة رسول الله صلى الله عليه وسلم عما أرادوا ، دعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الله وتلا عليهم القرآن فلما سمعوه فاضت أعينهم من الدمع ، ثم استجابوا له ، وآمنوا به ، وصدقوه ، وعرفوا منه كان يوصف لهم فى كتابهم من أمره "
فلموا قاموا من عند الرسول اعترضهم أبو جهل بن هشام فى نفر من قريش
فقال : " خيبكم الله من ركب بعثكم مَن وراءكم من أهل دينكم ترتادون لهم ، لتأتوهم بخبر الرجل ، فلم تظهر مجالسكم عنده ، حتى فارقتم دينكم ، وصدقتموه بما قال ما نعلم أن ركبا أحمق منكم "
صفية بنت حي تصف الرسول حينما قدم إلى المدينة :
قالت صفية بنت حى رضى الله عنها : لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلم المدينة ، ونزل قباء غَدَا عليه أبى حى بن أخطب ، وَعَمِى أبو ياسر بن أخطب مغلسين (داخلين فى ظلمة آخر الليل) ، فلم يرجعا حتى كان غروب الشمس ، فَأَتَيَا كَالَّيْنِ (متعبين) كسلانين متساقطين ، يمشيان الهوينا ، فهششت إليهما ، فما التفت إلى أحد منهما ، مع ما بهما من الهم فسمعت عمى أبا ياسر يقول لأبى :
أهو هو؟ ( أي المُبَشَّر به في التوراة )
قال : نعم والله "
قال : " أتثبته ؟
قال : " نعم "
قال : " فما فى نفسك منه؟ "
قال : عداوته – والله – مابقيت أبدا"
وقد صدق الله تعالى حيث قال " لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا اليَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُم مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ (82) وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ (83) وَمَا لَنَا لاَ نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الحَقِّ وَنَطْمَعُ أَن يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ القَوْمِ الصَّالِحِينَ" المائدة
كان اليهود والنصارى على علم بالرسول وصفاته قبل بعثته :
وفى القرآن الكريم آيات تدل على أن اليهود والنصارى كانوا يعلمون حق العلم – مما ورد فى التوراة والإنجيل – أن نبيا كريما سيظر لهداية العالم إلى الطريق المستقيم وقد ذكر اسمه وصفاته فيهما ، فمنهم من هداه الله وآمن به ، ومنهم من أضله الله ، وجعل على قلبه وسمعه وبصره غشاوة، فعادى تلك الرسالة ، وعارض صاحب الرسالة . ومن هذه الآيات قوله عز وجل : وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُم مَّا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الكَافِرِينَ"
يستفتحون : يستنصرون ، أي يطلبون من الله أن ينصرهم على المشركين بالنبي العربي المنتظر الذي يجدون صفاته في التوراة.
والمعنى : ولما جاءهم القرآن من عند الله ، مصدقاً لما معهم من التوراة وكانوا قبل مجيئه يقولون : اللهم انصرنا على المشركين بالنبى العربى المنتظر.
فلما جاءهم محمد على الصفات التى يعرفونها فـى التوراة كفروا به حسداً وخوفاً ، لأنه من العرب ، وليس من بنى إسرائيل . فلعنة الله على الكافرين .
وقوله تعالى :
وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ (156) الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ المُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ"
"الأعراف"
إنا هُدْنَا إليك : تُبْنَا ورجعنا إليك
ورحمتي وسعت كل شيء : عمَّت كل شيء في الدنيا النبي الأمى : الذى لا يكتب ولا يقرأ ، وفى وصفه بالأمية إشارة إلى أن كمال علمه مع أنه أمى معجزة من معجزاته ، فهو لم يقرأ كتباً ، ولم يقم بالتدريس له معلمون ، ولكن الله علمه مالم يكن يعلم ، من جميع العلوم والفنون التى كان يتحدث عنها ، ويتعلمها الناس منه ، وكانوا بها أئمة العلماء ، وقادة المفكرين فأمية المصطفى ضعف أمامها علم العلماء فى كل عصر وزمن ، وأراؤه فى كل موضوع سديدة صائبة ، ونور يهتدى به الأفراد والمجتمعات ، في جميع الأوقات .
الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل :باسمه وصفاته
ويُحل لهم الطيبات : التي أحلَّها شرعهم كالشحوم .
ويُحرِّم عليهم الخبائث : ماخبث فى حكم شرعهم كالربا
ويضع عنهم إصرهم والأغلال التى كانت عليهم : يخفف عنهم ما ألزموا العمل به من التكاليف الشاقة الشديدة فى التوراة ، كقطع موضع النجاسة من الثوب ، وإحراق الغنائم ، وتحريم الأعمال يوم السبت.
ويخفف عنهم الأغلال والسلاسل التى تجمع يد الأسير إلى عنقه
عزَّروه : عظَّموه ووقروه .
وقوله عز من قائل:
واتبعوا النور الذي أنزل معه : اتبعوا القرآن .
قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُو يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ" الأعراف |