صدق وأمانته وعفته صلى الله عليه وسلم:
إن حديث صدق الرسول عليه الصلاة والسلام يعد من نافلة القول فى هذا المقام، وكذلك أمانته وعفته، فهو الصادق الذى عرف بالصدق منذ أن وعى إلى أن قبضه الله تعالى إليه، فما عرفت عليه كذبه قط فى حياته كلها صلى الله تعالى عليه وسلم.
وإن الكذب لم يكن من أخلاق كبراء العرب، فإن الحرية التى كانت لهم بمقتضى قيامهم فى بلاد لا يسيطر فيها طاغ يتحكم فى عقولهم ونفوسهم، وألسنتهم وتفكيرهم، ولم يكن عندهم الملق الذى يجعلهم يدهنون فى القول رجاء خير يبتغونه، وإنه حيث يحكم الملك العضوض(الجبار)، وتسيطر أهواء الحكام توجد صفتان متلازمتان، إحداهما النفاق، وثانيهما الكذب، لأن النفاق فى ذاته كذب، ولذا أثر عن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم أنه قال: "آية المنافق ثلاث إذا حدَّث كذب، وإذا واعد أخلف، وإذا اؤتمن خان" ولم يظهر فى العرب نفاق أو كذب إلا ما كان يصاقب حواضر البلاد التى يحكمها ملوك أو أمراء كالملوك أو حكام مستبدون بشكل عام، كأراضى العرب .
فعرب مكة والمدينة ووسط الصحراء لم يكن الكذب سائغا بينهم.
وذلك النفاق، ولم يُعْرَف النفاق فى أوساط المسلمين الذين استجابوا إلا من اليهود ومن يجاورونهم من مشركى المدينة فقد ظهر فيهم النفاق بقوة المسلمين.
إذن لم يكن غريبا أن يكون محمد صلى الله عليه وسلم صادقا بين الصادقين.
ولكن صدق محمد صلى الله عليه وسلم ليس كصدق غيره من أهل مكة المكرمة ومن حولها ،ولكنه صدق من أعده الله تعالى ليكون رسولا للعالمين، فأخلاقه صلى الله تعالى عليه وسلم كانت من إرهاصات النبوة. فلم يكن صلى الله تعالى عليه وسلم صادق القول فقط، بل كان صادق القول، وصادق الحس، وصادق النفس. ونقصد بصدق الحس بأن يكون نظره إلى الأشياء والأشخاص صادقا فى وصفها، مستبطنا من وراء الظاهر، ما يعرف حقائق استبطنها، ثم صادق فى النظر إلى نفسه، فيعرف مواضع الخير، فيفعلها، ويعرف مواضع الشر فيجتنبها، وهو صادق فى مقاصده، وصادق فى غاياته، يخلص فى إدراك الحقائق، والاتجاه إليها اتجاها مستقيما لا عوج فيه. فيستقيم إدراكه، ويصدق فى كل أمر يتصل بالقلب والضمير.
ولأن الإيمان أساسه الإخلاص فى العمل والقول والإذعان، لا يتصور إيمان مع كذب، ولقد سئل من بعد نبوته، أيكون المؤمن جبانا، فقال عليه الصلاة والسلام يجوز، وسئل أيكون بخيلا قال قد يكون بخيلا، وسئل أيكون المؤمن كذابا: قال: لا يكون المؤمن كذابا، إذ الكذب والإخلاص فى الاتجاه والقول والعمل نقيضان لا يجتمعان.
وأما الأمانة فحسبنا أن نعلم أن ذلك أمر رأته قريش كلها، وآمنت به، حتى سمى بالأمين، كان يعرف بالأمانة والصدق صنوان متلازمان، فلا أمانة من غير صدق، والصدق يقتضى كل الفضائل والكذب عش الرذائل.